لماذا طهران وليس القدس، لماذا مصالح النظام الإيراني، وليس المصالح العليا للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، لماذا الانخراط كجنود لتنفيذ أجندات دول وقوى إقليمية، وليس الانضواء كمناضلين تحت علم فلسطين، للعمل على تطبيق البرنامج السياسي الوطني الفلسطيني؟ ألم تبرهن لكم سنة الإبادة والكارثة والنكبة أن الذي يستخدمكم كوكلاء لا يعنيه مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني وأبعد من ذلك وجوده، ما الذي يمنعكم من رؤية اعتباره  لمصالحه ونفوذه في المنطقة في المقامين الأول والأخير، وأنكم أصبحتم قاب قوسين أو أدنى من إنتهاء الصلاحية بالنسبة له، متى ستدركون أن الدول والقوى التي اتخذتكم كمستخدم، واستثمرت بورقة ويافطة فلسطين قد أخرجتكم من حساباتها، وأنها تتقاسم مع من كانت تنعته "الشيطان الأكبر" كعكة النفوذ والمصالح.

ألم يحن الوقت لتقتنعوا أن العباءة الفارسية المخصصة لتغطيتكم، مصممة للاستخدام مرة واحدة "جيتابل"  خصيصًا لكم، لذا لن تحميكم، أما المتينة العضوية فلغيركم، وأن سنة من الإبادة الصهيونية الدموية كافية وأكثر لتبصر هذه الحقيقة، هذا يعني أنكم ما زلتم تعتبرون دماء أبناء شعبنا المسفوكة مجرد حبر أحمر كالمستخدم في المشاهد السينمائية، ودمار الإنسان والعمران الفلسطيني "خسارة تكتيكية" للتغطية على عجز محوركم "الاستراتيجي". حقًا إنها مذبحة بحق العقل الفلسطيني والعربي والإنساني، فقد اخترتم الهروب إلى المنطقة الأكثر انكشافًا في العالم، وتركتم فلسطين وعمقها العربي وهي في المبادئ والعقيدة الحمى الأبدية لكل فلسطيني ووطن الأمان والسلام.

قد يقول قائل: إن هذه الأسئلة الموجهة لمن تبقى من قادة حماس لن تلقى آذانًا صاغية، لكنا نقول إن اللحظة التاريخية تحتم علينا طرح كل هذه الأسئلة المشروعة، حتى نبرئ ذمتنا الوطنية من  مساءلة التاريخ القريب والبعيد الحتمية، ليس حرصًا على أشخاص بعينهم، وإنما على أتباعهم وأنصارهم من الجماهير الفلسطينية، لأننا معنيون بتحرير المواطن الفلسطيني من هيمنة المضللين وتحديدًا المحترفين في طبقات السياسة والاجتماع والثقافة وغيرها. ونعتبر النضال لتحرير الإنسان مهمة متوازية مع النضال لتحرير الأرض، فأرض الوطن الحرة تحتاج لإنسان حر يحميها ويبنيها، ويجدد صورة أمجادها برؤى وأفكار وإبداعات غير مسبوقة، وهذا ليس مستحيلاً على الإنسان الفلسطيني الذي ما زالت بصماته الحضارية في كل مكان من أرض الوطن، وفي أقطار عربية وبلدان أجنبية في قارات بعيدة حتى.

ومن هذا المنطلق سنبقى نوجه أسئلة إلى جمهور حماس، وكوادرها ما بين رأس هرمها السياسي، وبين قاعدتها، لقناعتنا أن قادتها الذين هرولوا إلى طهران لا يملكون مفهومًا للقرار الفلسطيني الوطني المستقل، ولا يملكون حرية اتخاذ القرار المتوافق مع مصالح حماس على الأقل، وإنما هرولوا للاستماع إلى قرار نظام الخامنئي حول الاسم الذي يجب أن يشغل موقع ومهمة رئيس المكتب السياسي الشاغر الآن. وربما لتبلغهم قيادة بلاد فارس السياسة الجديدة، وخلاصتها باختصار: أن المصالح العليا لإيران مرتبطة استراتيجيًا مع الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وأنه آن أوان تطبيق هذه الاستراتيجية، على حساب التكتيك الذي استخدمت لتطبيقه قيادات حماس، حتى لو كان ثمنه كما حدث على أرض الواقع إبادة ونكبة وكارثة بحق الشعب الفلسطيني.

والسؤال الأهم والذي يجب أن يبقى في الصدارة: لماذا التوجه نحو طهران، وليس نحو القدس التي لا يختلف فلسطينيان عليها؟ متى ستقرر جماهير حماس وأنصارها إعلاء الانتماء الوطني، والولاء للوطن، وتفكيك الارتباط العضوي بجماعة الإخوان المسلمين، والخضوع الأعمى لسياسات طهران، فجماهير وكوادر حماس مطلوب منها إدراك الخسارة النوعية التي تسببت بها قياداتها، عندما شقت بسفينة الجهل السياسي بحر الصراعات المذهبية الملتهب في منطقتنا العربية - عن علم مسبق بالنتائج، ورست في ميناء بلاد فارس، فالأصل – والكلام موجه لجماهير وكوادر حماس وقياداتها حتى، إن الحرية والتحرير تتطلب الإيمان باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني، والعمل بروح وبمرجعية وطنية حقيقية على تجسيده في كل ميادين النضال الوطني المشتركة.