بعيدًا عن الشعارات العاطفية والتعبوية، وعن الشعبوية التي ملأت فضاءنا الرقمي والإلكتروني، فإنه بعد عام، وكما نشاهد ونلمس، فإن "طوفان الأقصى" قد حولته إسرائيل إلى طوفان للإبادة والتوسع، وفرض إرادتها بقوة التفوق التكنولوجي والعسكري على المنطقة، فمن لا يريد أن يرى مآلات الأمور فهو إما جاهل أو مكابر لدرجة الغباء، والأكثر خطورة بالمشهد، أن إسرائيل التي يسيطر عليها اليمين المتطرف الأكثر نزعة للتوسع، قد رأى بما جرى في السابع من أكتوبر قبل عام بأنه فرصته التاريخية التي قد لا تتكرر لإنجاز مشروع "أرض إسرائيل الكبرى". وما جرى ويجري على الأرض، منذ ذلك التاريخ، أن قطاع غزة تحت الاحتلال، مدمر مقطع الأوصال، والناس فيه يعيشون في حالة بؤس لا يمكن تخيلها.

والفرق بين إسرائيل قبل "الطوفان" وبعده، أن نتنياهو، وبالطبع إسرائيل، كي لا يجول في خاطر أحد أنها مسألة شخص، كان يسعى وتسعى للهيمنة على المنطقة بقفازها الأبيض الناعم، أي التمدد السياسي والاقتصادي والأمني عبر مخطط التطبيع، أما بعد السابع من أكتوبر فهي تحاول الهيمنة من خلال القوة المفرطة، وقوة النيران وما لديها من تفوق تكنولوجي وأسلحة هي الأحدث في العالم. والفارق بين الأسلوبين كبير من حيث نتائجه الإستراتيجية، عبر التطبيع كانت إسرائيل مضطرة إلى الأخذ بالاعتبار هيبة الأطراف واحترام مكانتها وسيادتها ولو بقدر محدود، خصوصية الدول وخياراتها، أما اليوم وهي تحاول فرض إرادتها بالقوة، فلن تقيم بعد ذلك لأحد وزنًا، بعد أن تأخذ ما كانت تريد أخذه عبر سنوات طويلة ومن خلال مناورات وتكتيكات معقدة، هي تأخذه اليوم مباشرة وبالقوة.

بعد عام نجحت تل أبيب بإخراج قطاع غزة ليس فقط من محور المقاومة، وإنما هي اليوم تتحكم أكثر بمصيره من زاوية كونه جزءاً من الدولة الفلسطينية أو فصله بشكل نهائي عنها، وهذا بحد ذاته تغير كبير. وبعد عام ها هو حزب الله يفقد قيادته وقدرته السابقة على التأثير في أحداث لبنان والمنطقة، بمعنى أن حال "محور المقاومة" اليوم لم يعد كما كان عليه قبل السابع من أكتوبر. والسؤال الأكثر خطورة: هل ميزان القوى هو اليوم أفضل لإسرائيل أم لباقي قوى المنطقة عربًا وفرسًا؟.

صحيح أن إيران قد تصرفت برعونة، واستغلت احتلال الولايات المتحدة للعراق، وانهيار عدد من الدول الغربية خلال "الربيع العربي" إلى أبعد حد وتمددت في الجغرافيا العربية، إلا أن هزيمة محورها، لن يكون كليًا في صالح العرب. بل إن من سيقطف الثمار هو صاحب الفعل، المتفوق عسكريًا، اي إسرائيل، فهذه الأخيرة لن تكون كما قبل السابع من أكتوبر بكل تأكيد، فهي اليوم أكثر توحشًا ومنجذبة أكثر من أي وقت مضى للتوسع، وحسم خياراتها في المنطقة بالقوة وليس بالأنماط السياسية. وما يجب أخذه بالاعتبار أيضًا هو ما جرى من تغير في نظرة الولايات المتحدة الأميركية ذاتها للمنطقة، فما هو واضح أن واشنطن تدعم بكل قوة تحويل إسرائيل كقوة مسيطرة في المنطقة، وتحويلها بالفعل إلى شرطي الامبريالية بدون أي حاجة للنفاق أو تغطية الحقائق.

السابع من أكتوبر لم يمنح إسرائيل فرصة الهيمنة بالقوة والتفوق فقط، بل منح واشنطن أن تصبح كلمتها هي الكلمة القاطعة في المنطقة. فخلال عام لم نشهد أي لاعب من الدول الكبرى قد سمح له بالتدخل، بل اكتفى الجميع بموقف المراقب، وتركت يد إسرائيل المدعومة أميركيًا، هي التي تقتل وتذبح وتعربد من دون بروز أي جهد حقيقي يردعها. ومقابل إسرائيل، فإن هزيمة إيران لن تكون هزيمة كاملة، لذلك ومن أجل أن تتأقلم  طهران مع النتائج ويضمن سكوتها لفترة طويلة قادمة لا بد من مكافأتها، وهذا ما تبحث  إيران عنه حاليًا، التي تعتبر مسألة الحفاظ على نظامها القائم هو الخط الأحمر الأهم.

ومن تابع زيارة وزير الخارجية الإيراني العراقجي لبيروت يلاحظ ببساطة أنها تعكس ميزان القوى الجديد، فطائرة الوزير لم تحط بمطار رفيق الحريري إلا بعد تنسيق مسبق مع إسرائيل عبر دولة ثالثة، كما أن رسالة الوزير كانت واضحة إن من يتحدث عن "وحدة الساحات" هي طهران، وعن أي اتفاق مع إسرائيل لوقف النار في لبنان يجب أن يكون لإيران رأي فيه، وأنه يجب أن يكون جزءًا من مفاوضاتها العامة مع واشنطن. وبالرغم من الرغبة التي عبر عنها الوزير الإيراني لكنه وبالرغم من هذا التشدد في الشكل فإنه أعطى مع ذلك الضوء الأخضر للتوصل لوقف إطلاق نار بتنسيق مع طهران، وفي الواقع لن يمر وقت طويل حتى تقرر لبنان أنها لن تستطيع الاستمرار بالحرب حتى تقطف طهران ثمارها.

بعد عام، هل يتعامل الشعب الفلسطيني تحديدًا مع "طوفان حماس" كانتصار أم أنه الذكرى الأولى لبدء حرب الإبادة الإسرائيلية المجرمة؟ هذه الحرب التي حولت قطاع غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة.

وبعد عام، من حق اللبنانيين أن يسألوا: هل هم أفضل اليوم أم أسوأ؟ في لبنان اليوم الحديث يتركز أن بلادهم قد تصبح غزة أخرى، أي أن إسرائيل قامت بإرهاب العرب وغير العرب على حساب دم الشعب الفلسطيني ومقدراته التي دمرت تمامًا في غزة، بعد عام من "طوفان حماس" كل ذلك حدث.