جن جنون حكومة نتنياهو لمجرد اصدار الدول الاوروبية الاربع، الاعضاء في مجلس الامن (فرنسا، بريطانيا، المانيا والبرتغال) بيانا سياسيا استنكرت فيه العطاءات الاستيطانية الجديدة والاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية من الحكومة وقطعان مستوطنيها، ولوقف المفاوضات. وطالبت فيه بافساح المجال للوصول لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس عاصمة للدولتين. ووصفت وزارة الخارجية الاسرائيلية الدول الاوروربية الصديقة لها بانها “فقدت مصداقيتها ولم تعد دولا موضوعية”. وتناغمت مع حكومة اقصى اليمين الصهيوني المتطرف الولايات المتحدة، التي رفضت صيغة البيان، وقالت الناطقة باسم الخارجية الاميركية “بولاند”: ان الخيار الامثل عودة الطرفين للمفاوضات؟! وكأن إسرائيل معنية بالعودة للمفاوضات، وهي تعلم (الادارة الاميركية) ان حكومة إئتلاف المستوطنين الاستعماريين لم تقبل ان تقدم حتى الان للجنة الدولية الرباعية، التي تقف اميركا على رأسها موقفها من ملفي الامن والحدود.

دولة فوق القانون لم تعد تقبل مجرد الهمس لاعلان إستياء من هنا او من هناك. مطلوب من العالم الصمت المطبق وعدم الاعتراض على أية إجراءات او انتهاكات عنصرية بحق ابناء الشعب الفلسطيني، ليس هذا فحسب، بل على العالم ان لم يؤيد تخريب وتدمير عملية السلام، ان يلوذ بالصمت والخرس! لأنها (اسرائيل) محمية من قبل بلطجي العالم الولايات المتحدة الاميركية.

مع ذلك، وعلى ما حمله بيان الدول الاربع من ايجابية تجاه استفحال السياسات العنصرية الناظمة للمؤسسة السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي وبالتكامل مع فجور ووحشية قطعان المستوطنين، المدمرة فعليا لعملية التسوية السياسية وخيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران يونيو 67، إلا ان البيان (وهو بالمناسبة ليس البيان الاول، الذي يحمل مثل هذه الصيغة من قبل دول الاتحاد منفردة ومجتمعة) لم يعد من وجهة النظر الفلسطينية الرسمية والشعبية يمثل ردا مقنعا لوقف الارهاب الاسرائيلي المنظم على الشعب العربي الفلسطيني. آن اوآن الانتقال خطوة جدية للامام. إذا كانت دول الاتحاد الاوروبي جادة (وهي دول مركزية ولديها باع طويل في محافل الاتحاد الاوروبي وفي العلاقة مع دولة الابرتهايد الاسرائيلية ومع دول العالم قاطبة) في توجهها لردع العدوانية الاسرائيلية عليها ان تبادر لاتخاذ خطوات عملية عقابية سياسية واقتصادية وامنية وثقافية ضد دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.

اما البقاء في دائرة الاستنكار والاستهجان والشجب فهذا يعني عمليا ايضا ترك الحبل على الغارب امام حكومة نتنياهو لترتكب جرائمها وارهابها المنظم في القدس خاصة ومدن وقرى الضفة عامة وعلى قطاع غزة، وهو ما يعني استمرار الاعلان عن عطاءات البناء للوحدات الاستيطانية في المستعمرات الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واستمرار مصادرة وتهويد الاراضي وهدم بيوت المواطنين الفلسطينيين، وحرق وقطع الاشجار ومنازل وسيارات وغيرها من الجرائم المتواصلة.

شكرا للدول الاربع على خطوتها الجديدة المتمثلة بالبيان، ولكن البيان لم يعد كافيا. ولم يعد يمثل حقيقة سياسة رادعة لدولة تعتبر نفسها فوق العالم والقانون. فإما التوجه الى سياسة فرض العقوبات او إعلان الانسحاب من اللعبة السياسية مترافقا مع اعلان يؤكد عدم قدرة الاتحاد الاوروبي ودوله المركزية من اتخاذ اي إجراء يتعارض مع جرائم وبلطجة اسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة. اما البقاء في دائرة المراوحة السياسية فهذا لم يعد مقبولا من قيادة الشعب الفلسطيني، التي تحرص على افضل العلاقات مع دول الاتحاد الاوروبي.

من يريد حماية العملية السياسية بما فيها مصالح الغرب الاوروبي والاميركي وحتى دولة الابرتهايد الاسرائيلية، عليه ان يتحمل المسؤولية، ويرتقي اليها، ويتجشم المغامرة (إن جاز تسمية التوجه للعقوبات مغامرة) وتحدي اميركا شرطي العالم الغبي والمعادي لحقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب والداعم للجريمة الاسرائيلية المنظمة، وايقاف الدولة الاسرائيلية المارقة عند حدودها. والاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الامم المتحدة. وإلا فالنتيجة معروفة كما ذكر آنفا، استمرار العربدة الاسرائيلية وتدمير ما تبقى من أمل للسلام