أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في 5 سبتمبر 2024، عن تسليم مساعدات إنسانية كبيرة تعذر إيصالها إلى غزة عبر ميناء أسدود الإسرائيلي، بما يقارب 17 ألف طن، وهو أكبر حجم مساعدات إنسانية يقدمها الجيش الأميركي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، أكدت المنظمات الدولية أن هذه المساعدات لا تكفي لتلبية احتياجات غزة التي تعاني من حصار طويل الأمد. وفي 7 سبتمبر 2024، أعلن المبعوث الأميركي الخاص بالسودان توم بريلو، عن وصول 3114 طناً من المساعدات إلى حوالي 300 ألف شخص في السودان.
ما يلفت النظر في هذه الجهود الإنسانية الأميركية هو توقيتها وسياقها السياسي. حيث تسعى الإدارة الأميركية من خلال تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة والسودان، قبل انتخابات نوفمبر 2024، إلى تعزيز صورتها كمدافعة عن القيم الإنسانية، وصاحبة سياسة خارجية متوازنة.
وبينما تحاول الإدارة الديمقراطية أن تُبرز هذا الجهد كدليل على قدرتها على تحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين، فإنه في الحقيقة يمثل محاولة إلى احتواء الانتقادات الموجهة إليها من الداخل والخارج، دون تغيير فعلي في سياساتها تجاه الحرب في غزة، في سياق الأجندة الانتخابية.
على الجانب الآخر، تبرز تصريحات الإدارة الأميركية الأخيرة بشأن تقديم عرض نهائي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتبادل الأسرى، مع التهديد بأن رفض هذا العرض سيعني إنتهاء المفاوضات تحت قيادة واشنطن، كدليل على النهج الأميركي المستمر في التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، والتضليل بشأن دورها وقدراتها الفعلية، وتشجيع الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة جرائمه. حيث توحي هذه التصريحات بضغط غير مباشر على الفلسطينيين لقبول ما قد يكون عرضاً غير منصف، مع إبقاء الغطاء على الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في غزة.
ومع اقتراب الانتخابات الأميركية واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، يبقى الفلسطينيون في مواجهة واقع صعب يتطلب وحدة وطنية واستراتيجية نضالية موحدة. حيث أن الوحدة الوطنية ليست ترفاً اختيارياً أو مجرد ضرورة، بل هي حتمية وركيزة أساسية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، خصوصاً في ظل الظروف الشديدة التعقيد التي يدركها كل فلسطيني، من الطفل إلى الكهل. وأي فصيل، مهما كان توجهه أو لونه، يتعمد تجاهل هذه الحقيقة ويعتمد على تحالفات هنا وهناك، مهما كان حجمها أو قوتها، أو يربط نفسه بأجندات خارجية، متناقضة مع المصلحة الوطنية، لن يضمن استمراريته وبقائه، وتاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة مليء بالدروس والعبر التي تؤكد هذه الحقيقة.
لا يمكن إغفال البعد السياسي الذي يوجه المساعدات الأميركية، وأن إنهاء حرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة والقدس، لن يتحقق إلا من خلال تغيير جوهري في السياسات الأميركية، وليس عبر تحركات مؤقتة تهدف فقط إلى تحسين صورة الإدارة الأميركية قبيل الانتخابات. وهذا يتطلب استراتيجية ضغط فلسطينية-عربية-دولية موحدة على الولايات المتحدة، التي تدعم الإرهاب الإسرائيلي في المنطقة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تمارس دوراً مركزياً في دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، مستغلة نفوذها في الساحة الدولية لضمان استمرار هذا الدعم دون مساءلة. وعليه، فإن أي تغيير حقيقي في هذا النهج يستوجب بناء تحالفات دولية فعّالة وإطلاق حملات ضغط دبلوماسية وشعبية مؤثرة تستهدف المصالح الأميركية، بما فيها الرأي العام الأميركي الذي بدأ يُظهر بوادر تحول تدريجي تجاه القضية الفلسطينية.
إن الرهان على التغيير من الداخل الأميركي يجب أن يكون جزءاً أساسياً من الاستراتيجية، كون التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث إلا من خلال القوة الشعبية. كما أن الاستمرار في تعزيز الوعي العالمي بممارسات الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان يلعب دوراً حاسماً في خلق بيئة ضاغطة على الولايات المتحدة لتغيير موقفها. فالإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتقارير الحقوقية الدولية، تعد أدوات قوية في كشف الحقيقة وتحفيز الرأي العام العالمي على تبني مواقف أكثر دعماً للفلسطينيين. ومن الضروري أيضاً توظيف التحولات في النظام العالمي، مع تصاعد قوة قوى إقليمية ودولية جديدة، لخلق توازن في القوى، مما يقلل من احتكار الولايات المتحدة للقرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
في النهاية، لا بد من إدراك أن التغيير لن يكون سريعاً أو سهلاً، ولكنه يتطلب عملاً منسقاً ومستمراً بين كافة الأطياف الفلسطينية وكافة الأطراف المعنية لتحقيق ضغط فعلي ومستدام على الولايات المتحدة بغض النظر عن لون الإدارة الأميركية القادمة، بما يساهم في إنهاء الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها