أكد القائم بأعمال مدير شؤون وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في الضفة الغربية رولاند فريديتش لوكالة وفا خلال مقابلة معها أن "الوكالة الأممية تراقب بقلق الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية"، بعد أن شرع الاحتلال الإسرائيلي بعدوان واسع منذ فجر الأربعاء، طال المخيمات في طولكرم وجنين وطوباس ونابلس، وأسفر عن ارتقاء 21 شهيدًا وإصابة العشرات وقطع الخدمات الحيوية في بعض المناطق وتدمير واسع للبنية التحتية. وطالب فريديتش سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالامتثال للقانون الدولي وتجنب استهداف المدنيين، واحترام الحصانة التي تتمتع بها مرافق "الأونروا" ومنشآتها.
وقال: نحن "نراقب الوضع الإنساني في مناطق شمال الضفة الغربية بقلق شديد، حيث تكررت الاقتحامات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، والتي أثرت مباشرة على اللاجئين خاصة من سكان المخيمات، وأيضًا على قدرة الوكالة على تقديم الخدمات لأكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية، في مجالات التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والبنى التحتية"، مشيرًا إلى أن "الأونروا" اضطرت إثر العدوان الإسرائيلي الحالي إلى وقف خدماتها في عدد من المخيمات التي طالتها اعتداءات الاحتلال، ونوه في الوقت ذاته إلى أن الوكالة مع الشركاء في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الإنسانية غير الحكومية ملتزمة بتقديم كل الخدمات حسب ما يسمح الوضع الأمني على الأرض. وشدد فريديتش على أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو إلى ترحيل مؤقت للفلسطينيين من مناطق في الضفة الغربية، على غرار ما يجري في قطاع غزة، تبعث على القلق لدى مؤسسات الأمم المتحدة وعلى صعيد المجتمع الدولي. واستبعد المسؤول الأممي أن تلقي حالة عدم الاستقرار المالي التي تمر بها وكالة الغوث بظلالها على الخدمات الأساسية التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين، مؤكدًا أن استمرار عمل "الأونروا" يعد عامل استقرار في المنطقة، ما يتطلب استمرار تقديم الدعم المالي لها.
وتطرق فريديتش إلى جهود تبذل من أكثر من طرف للتشويش على "الأونروا"، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة كإقرار الكنيست الإسرائيلية مشروع قانون بالقراءة التمهيدية يصنف الوكالة على أنها "مؤسسة إرهابية"، وشدد في ذات السياق على أن الوكالة ملتزمة بالحيادية وهي تمثل جزءا من الحل في المنطقة وليست سببا في استمرار الصراع. ونوه كذلك إلى أن الحملة التي أطلقتها الأمم المتحدة للتطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة، تتطلب الحد الأدنى من الهدوء على الأرض لتنفيذها وتوفير البيئة المناسبة من أجل البدء بها على الفور.
وفيما يلي نص المقابلة:
* كيف تتابعون ما يجري من عدوان إسرائيلي يطال عددا من المخيمات في شمال الضفة الغربية؟
نحن نراقب الوضع الإنساني في مناطق شمال الضفة الغربية بقلق شديد، حيث كان هناك أكثر من عملية عسكرية في الآونة الأخيرة والتي أثرت مباشرة على اللاجئين خاصة من سكان المخيمات، وأيضًا على قدرة الوكالة على تقديم الخدمات.
"الأونروا" تقدم الخدمات لأكثر من 400 ألف لاجئ في الضفة الغربية، في مجالات التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والبنى التحتية، وطبعا تأثرنا مباشرة بسبب هذه العمليات العسكرية، لا سيما الأخيرة التي بدأت قبل يومين والتي تعد الأكبر في الضفة الغربية منذ أكثر من 20 عامًا.
اضطررنا إلى وقف بعض الخدمات في عدد من المخيمات في شمال الضفة الغربية (في جنين ونابلس وطوباس)، ونتمنى أن يحترم الجيش الإسرائيلي وبشكل كامل الحصانة الدبلوماسية والامتيازات لمنشآت وكالة الغوث، وما يتعلق بالقانون المتبع في الضفة الغربية المحتلة من حيث حماية المدنيين.
يساورنا قلق شديد حيال آخر التطورات في شمال الضفة الغربية فيما يخص عدد الضحايا وقطع الخدمات الحيوية في بعض المناطق، ونحن وبالتنسيق مع الشركاء في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الإنسانية غير الحكومية ملتزمون بتقديم كل الخدمات حسب ما يسمح الوضع الأمني على الأرض.
* العدوان الإسرائيلي الجديد يستهدف عدة مخيمات في مناطق شمال الضفة الغربية، كانت قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وبعده مسرحًا لاجتياحات مماثلة خلفت العشرات من الشهداء والجرحى، هل يترتب على ذلك مخاوف إضافية متصلة بأهداف إسرائيلية غير معلنة؟
في الأسابيع الأخيرة لاحظنا تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، وهذا أثر مباشرة على قدراتنا على تقديم الخدمات وأيضا على نفسية السكان خاصة اللاجئين، لا يمكن أن ننسى أن هذه العملية تأتي بعد عشرة أشهر من عمل عسكري مستمر ترك آثارًا تراكمية من الناحية النفسية والخدمات والبنية التحتية خاصة في المخيمات، وهذا تأثير مباشر وخطير على الناحية الإنسانية وعلى جودة الحياة وعلى الممتلكات وأرواح السكان.
* هناك تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس تدعو إلى ترحيل مؤقت للفلسطينيين من مناطق في الضفة الغربية، هل تعكس هذه التصريحات توجها إسرائيليًا لتكرار ما يحدث في قطاع غزة؟
هذه التصريحات تبعث على القلق لدى مؤسسات الأمم المتحدة وعلى صعيد المجتمع الدولي، نظرًا لما يحدث في قطاع غزة.
حتى الآن لم نشهد على الأرض أي حركة نزوح واسعة لسكان المخيمات، رصدنا حالات فردية لعائلات من بعض المناطق، وهذا أمر مرفوض حسب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المطبق في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
سجلنا منذ بداية الحرب (السابع من تشرين الأول/ أكتوبر) في عدة مخيمات بالضفة الغربية، ترك بعض العائلات منازلها في المخيمات بشكل مؤقت لعدة أيام أو لساعات، حيث توجهوا عند أقارب لهم في مناطق أخرى، وهذا للأسف الشديد ظاهرة موجودة منذ بداية الاقتحامات ويترك تبعات تراكمية.
نحن في "الأونروا" ملتزمون بتقديم كل الخدمات لسكان المخيمات حسب الولاية الممنوحة لنا من ناحية التعليم والصحة، وعادة بعد كل عملية عسكرية كبيرة من هذا القبيل نقوم مباشرة بفتح المدارس والمراكز الصحية لتقديم الخدمات للاجئين، وأيضا وبالتعاون مع اللجان الشعبية في المخيمات والحكومة الفلسطينية فيما يتعلق بإصلاح البنى التحتية وتقديم بعض المساعدات للنازحين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب تعرضها للتدمير.
* كيف تقيمون قدرتكم على التدخل في الحد من الاقتحامات والاستهداف الإسرائيلي للمخيمات أو معالجة تبعاتها خاصة في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالوكالة؟
بالتأكيد، الأضرار التي نشاهدها الآن في مناطق شمال الضفة الغربية كبيرة، والإمكانيات المتوفرة لدى "الأونروا" ولدى الحكومة الفلسطينية ولدى مؤسسات المجتمع المدني محدودة، وبالتأكيد تدمير البنى التحتية مرارًا وتكرارًا يتطلب جهودًا كبيرة من كل الجهات المختصة، ونحن بموجب الولاية لدينا عدة خدمات في مقدمتها التعليم، ثم الخدمات الصحية وثالثًا بعض المساعدات للفقراء، ثم البنى التحتية، وأخيرًا الحماية.
ونحن ملتزمون، وحسب الظروف، بعد تقييم الأضرار بشكل مشترك مع الحكومة الفلسطينية والشركاء في الأمم المتحدة مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية "أوتشا" بعمل ما يمكن.
ولكن للأسف الشديد حتى الآن التمويل غير كافٍ سواء لدى الوكالة أو بقية الشركاء، ونحن نحث المجتمع الدولي والدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تكثيف الجهود لتقديم الدعم المطلوب، وهناك أكثر من طلب مالي نتمنى أن تحصل على التمويل المناسب من الدول المانحة، ولكن الوضع ليس سهلا.
الوكالة ما زالت تعاني من أزمة مالية، رغم أن الوضع المالي اليوم أفضل مما كان عليه قبل ستة أشهر، بعد استئناف 15 دولة تمويلها، ولكن في المحصلة ما زلنا في وضع مالي ليس سهلا، ونحن نركز على تقديم الخدمات، ونحن ملتزمون بافتتاح العام الدراسي في موعده الذي حددته وزارة التربية والتعليم العالي في التاسع من الشهر المقبل في 96 مدرسة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
* هل تعتقدون أن خدمات الصحة والتعليم وغيرها من البرامج مهددة في المستقبل القريب في الضفة الغربية إذا ما استمر الوضع المالي والسياسي على حاله؟
نتمنى استمرار الدعم المالي من الدول الأعضاء للأمم المتحدة، وأعتقد أن هناك إدراكًا للدور الأساسي الذي تقوم به "الأونروا" في المنطقة، خاصة عملياتها الإنسانية في غزة، وكونها أكثر مؤسسة تقدم الدعم الإنساني حتى اليوم في ظل الظروف المعقدة، كما أن دور "الأونروا" أساسي في الضفة الغربية وكافة مناطق عملها من ناحية تقديم الخدمات وتوفير الحماية للاجئين.
نحن ننتظر دعما كبيرا من المجتمع الدولي، وليس لدينا أدنى شك أن هذا الدعم سيستمر في المستقبل. ولا أعتقد أن هناك خدمات أساسية مهددة في المستقبل القريب بسبب الوضع المالي والسياسي غير المستقر الذي تمر به الوكالة، فالتعليم أكبر برنامج يستحوذ على عمل وكالة الغوث، يلي ذلك الصحة، ثم المساعدات الإنسانية في أوقات الأزمات، مثل ما يحدث في شمال الضفة الغربية أو في قطاع غزة. ومن ناحية الأولويات لا أعتقد أن هذه البرامج والخدمات سيطالها أي تقليص.
الأزمة تلقي بثقل أكبر على البنى التحتية حيث تعاني "الأونروا" منذ فترة طويلة من نقص التمويل الكافي لصيانة المنشآت. ومن ناحية تقديم الخدمات نحن ملتزمون بما لدينا من الإمكانيات، وحسب الولاية للوكالة فهذا الدور الأساسي المنوط بها.
* مؤخرًا، كشف النقاب عن تمويل حكومة الاحتلال الإسرائيلي لحملة دعائية من خلال محرك البحث غوغل، موجهة لعدة مناطق ومنها الولايات المتحدة بهدف تشويه سمعة الوكالة والتأثير على الرأي العام والحد من تمويلها والتبرع لها، وهذا دون أدنى شك يأتي في إطار حملة الشيطنة إن جاز التعبير التي تستهدف بها إسرائيل "الأونروا" والتي وصلت إلى حد وصفها بـ"المنظمة الإرهابية"، إلى أين وصلت الأمور؟
من عدة أشهر نحن نلاحظ جهودا من أكثر من طرف للتشويش على "الأونروا" التي تمثل مؤسسة إنسانية تنموية بمهام واضحة وملتزمة بتقديم كل ما لديها حسب الولاية الممنوحة لها من الأمم المتحدة.
هنالك تطورات غير مسبوقة، منها بعض التشريعات التي أقرت بالقراءة التمهيدية في "الكنيست" الإسرائيلية والتي تنص على تصنيف "الأونروا" كمؤسسة إرهابية وسحب الحصانة الدبلوماسية منها، وهي إجراءات غير مسبوقة لا في تاريخ "الأونروا" ولا في تاريخ الأمم المتحدة بشكل عام.
نتمنى أن يكون هناك موقف واضح من قبل الدول الأعضاء، وأيضًا نشجّع كل الأطراف على احترام المؤسسة الأممية والنظر بشكل حقيقي وعقلاني لدورها كمؤسسة إنسانية تنموية.
ونشير إلى أن "الأونروا" تعمل في سياق سياسي حساس جدًا، ووجود المؤسسة في نهاية المطاف مرتبط بحل سياسي عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ونحن نؤكد أننا كمؤسسة تابعة للأمم المتحدة نلتزم بالحيادية ونحن جزء من الحل في المنطقة ولسنا جزءًا في استمرار الصراع.
هناك اتهامات لبعض العاملين في الوكالة وموقفنا كان واضحًا حيث فُتح تحقيق داخلي على صعيد المؤسسة والأمم المتحدة وتم فصل بعض العاملين على خلفية ذلك، وكان هناك تشكيل لجنة خاصة مستقلة، ترأستها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، لمراجعة كل الأنظمة التي تنظم عمل الوكالة، ومن النتائج التي توصلت لها هذه اللجنة أن الإجراءات والقوانين الداخلية التي تم وضعها لضمان الحيادية كانت سليمة وعلى أعلى مستوى، وإن كان هناك بعض التوصيات التي نعمل عليها والمتعلقة بإدخال بعض التطوير والإصلاحات في جوانب محددة.
* الأمم المتحدة أعلنت الثلاثاء وقف العمليات الإنسانية في قطاع غزة بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية لدير البلح، التي كانت تمثل مركز تنسيق عملياتكم في قطاع غزة، هل تم استئنافها؟ وإلى أي مدى كانت لدى الوكالة قدرة على تقديم المساعدات خلال الفترة الأخيرة؟
قبل عدة أيام كان هناك أمر بإخلاء بعض المناطق التي تضم مكاتب للأمم المتحدة ومؤسسات أخرى، وهذا الأمر يؤثر بشكل مباشر على قدرة الوكالة وبقية الشركاء في الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية الأخرى في توفير المساعدات في قطاع غزة الذي يمر بوضع حرج من الناحية الإنسانية، ونحن ندعو إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وإفساح المجال المناسب والمطلوب لكل المؤسسات الإنسانية لتقديم المساعدات.
وفي نفس الوقت، هناك جهود تتطلب عملاً فوريًا كتنفيذ حملة التطعيم ضد شلل الأطفال الذي اكتشف إصابات بالفيروس المسبب له في قطاع غزة لأول مرة منذ فترة طويلة وهناك حملة مشتركة بين اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية و"الأونروا" بالتنسيق مع الجهات المختصة لتقديم اللقاحات، وهذا يتطلب الحد الأدنى من الهدوء على الأرض لتنفيذها باعتبارها أمرًا ملحًا وضروريًا.
* هناك قلق من تعثر عملية تطعيم الأطفال بلقاح شلل الأطفال، وإسرائيل تقول إن هذه الحملة لا يجب أن تقترن بهدنة إنسانية، كيف تعلقون على ذلك؟
يوجد عمل كبير يبذل حاليًا على قدم وساق للوصول إلى البيئة المناسبة لتنفيذ حملة التطعيم، من ناحية تقليص العمل العسكري على الأقل، لتوفير البيئة والظروف المناسبة والمتطلبات الإنسانية التي تتطلب الحد الأدنى من الهدوء على الأرض، والسيناريو الأفضل هو إعلان وقف لإطلاق النار.
الحملة لم تبدأ بعد، والخبراء الفنيون يناقشون مسألة الوقت اللازم لتنفيذها مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف على الأرض.
الحملة بحاجة على الأقل لظروف مناسبة على أساس القيام بهذه الحملة، وكل المؤسسات الشريكة جاهزة للشروع بهذه الحملة، ونحن نشجع كل الأطراف لتوفير البيئة المناسبة من أجل أن نبدأ بهذه الحملة فورًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها