في ظل تأقلم المجتمع العربي بما في ذلك الفلسطيني والإسلامي والعالمي مع واقع الإبادة العالمية بعد عشرة أشهر، حتى بات خبر استباحة الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من أبناء قطاع غزة بالعشرات والمئات والآلاف، وكأنه خبر عادي، ولولا المجازر الوحشية الإسرائيلية المتواصلة، التي ترغم وسائل الاعلام والقادة السياسيين على تذكر الإبادة الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، لأمسى خبر حرب الأرض المحروقة درجة ثانية أو ثالثة من حيث الأهمية والحضور.
واستمرأ بعض أصحاب القرار في الدول والمنابر الأممية، وفي حدود مجتمعاتهم واتحاداتهم ومنظماتهم القارية والأممية الإبادة الإسرائيلية الأميركية على الفلسطينيين باعتبارها غير ذات شأن، وهذا يعود لأكثر من سبب، أولاً لخضوع العديد من الدول لإملاءات الولايات المتحدة وحلفائها بتخفيف تسليط الضوء على الإبادة؛ ثانيًا لإفلاس الأقطاب الدولية الأخرى ودول العالم عن التأثير والضغط على الولايات المتحدة لإلزامها بتنفيذ القرارات الأممية؛ ثالثًا غياب الصوت العربي الرسمي والشعبي عن الفعل. رغم أن العديد من الفضائيات العربية ما زالت تعطي الإبادة الجماعية الأهمية التي تستحق، إلا أن ذلك الاهتمام لخلفيات ذاتوية؛ رابعًا ائتلاف صورة الدم والمجزرة والإبادة الأطفال ونساء الشعب الفلسطيني، حتى لو لم تعد تثير حمية قطاعات واسعة من الأنظمة والشعوب، وإن كانت بعض قطاعات الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا وافريقيا وأميركا اللاتينية تواصل دعمها للشعب الفلسطيني، وتدعو لوقف الإبادة الجماعية، ووقف التهجير القسري، وتطالب بإدخال المساعدات الإنسانية لأبناء قطاع غزة وتنادي بتأمين الحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني على أرض وطنه الأم فلسطين.

ومع ذلك، هناك أصوات أممية تعكس الالتزام بميثاق وقرارات وقوانين ومعاهدات هيئة الأمم المتحدة، ولا تخشى التعبير عن نفسها، وترفض الانحناء أمام بلطجة وفجور الولايات المتحدة، وهمجية وسادية ونازية إسرائيل والصهيونية العالمية، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيرش، والمقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغيرهم الكثير، ومنهم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاجوبال، الذي صرح يوم الجمعة 9 آب/أغسطس الحالي، أنه يعتقد "اعتقادًا راسخًا أن يوم محاسبة إسرائيل قادم".
وادلى راجاجوبال بعدد من التصريحات الصحفية على هامش مؤتمر "إعادة النظر في القانون الدولي بعد غزة"، الذي نظمته كلية الحقوق بجامعة بوغازيتشي في مدينة إسطنبول التركية، منها قوله "أقول لإسرائيل أوقفوا هذه الجرائم، وحاسبوا الجنود وضعوا حدًا للحرب"، وعاد تأكيده وقناعته باقتراب "محاكمة ومحاسبة إسرائيل على جرائم حربها، والإبادة الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني". وقال: "أمل أن يحدث تغيير في السلوك بسبب النتائج التي توصل إليها تقرير لجنة تحقيق محكمة العدل الدولية وفقدان إسرائيل للشرعية". وأشار إلى "زيادة التعبئة ضد الصهيونية المتطرفة في إسرائيل خلال السنوات الخمس عشرة الماضية".

وأضاف: "أعتقد أننا الآن عند نقطة تحول، رغم أن يوم المحاسبة قد لا يأتي على الفور، فمن الواضح أن إسرائيل وسياساتها ستتغير".
وشدد على ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات ضد إسرائيل، مثل فرض العقوبات الاقتصادية أو الحظر التجاري". وتساءل ردًا على انتهاكاتها وقتلها موظفي الأمم المتحدة "لماذا لا يتم الإطاحة بها؟ إنها تتعارض مع كل المثل العليا لميثاق الأمم المتحدة، وتقتل موظفي الأمم المتحدة أينما تريد، وتصف الأونروا بالمنظمة الإرهابية"، وفي إشارة إلى أن إسرائيل لا تريد أن تكون جزءًا من الأمم المتحدة، قال راجاجوبال: "دعونا إذن نسقط نظامها، دعونا لا نطرد إسرائيل، بل دعونا نسقطها". وخلص إلى الآتي "لا يمكن أن يتم ذلك بموافقة مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الأميركي، لكن من الممكن أن يتم ذلك من خلال الجمعية العامة". وتابع: "الجمعية العامة لديها الصلاحيات، والسؤال هنا هو، لماذا دول الجنوب العالمي التي تشكل أغلبية الجمعية العامة للأمم المتحدة ويدينون إسرائيل، لا تستخدم قوتها التي تتمتع بها في إطار ميثاق الأمم المتحدة".
وهنا وضع إصبعه على الجرح والعلاج في آنٍ، حيث يفترض أن تبادر دول العالم الثالث مع الأقطاب الدولية المعنية بوقف الإبادة الجماعية في تفعيل واستخدام آليات عمل هيئة الجمعية العامة مثل التحالف من أجل السلام، وغيرها من القوانين التي تكفل الدول الضعيفة بالدفاع عن نفسها، وعن الشعوب المناظرة لها، التي تعاني من آخر استعمار في العالم أي الشعب الفلسطيني، الذي حصل على نحو ألف قرار أممي، دون أن يطبق منها قرار واحد. 

أضف إلى أن بلطجتها وغطرستها واستقوائها على هيئة الأمم المتحدة وميثاقها، واتهام منظماتها ومؤسساتها الأممية كوكالة الغوث "الأونروا" ب"الإرهاب" يستند إلى الدعم الأميركي المطلق. لذا ردًا على هذا الفجور اللا أخلاقي النازي يتطلب الاستفادة من الصلاحيات الممنوحة لهم لإسقاط إسرائيل. لا سيما وأن الاعتراف بها ارتبط بتنفيذها القرارين الأمميين 181 و194، وهناك وثيقة بتوقيع وزير خارجية إسرائيل، موشيه شاريت 1949 بتنفيذهما مقابل الاعتراف الأممي بها، وهذا سلاح آخر بيد دول الجنوب إن شاءت أن تتمثل دورها ومكانتها الأممية في أعلى هيئة دولية.