تلخص مأساة المواطن الفلسطيني محمد أبو القمصان من قطاع غزة رواية الشعب الفلسطيني، وسباقه للفوز بالحياة والحرية والسلام في ميدان المؤامرة الاستعمارية الصهيونية، لتجاوز حواجز الموت والدمار والإبادة الجماعية الدموية، وبلوغ خط النهاية، هناك تحت قبة سماء القدس حيث ترفرف بقوة سلاح الأمل راية الاستقلال والسيادة.

رغم أنها ليست الفصل الأول في رواية المأساة الفلسطينية، لكننا نأمل أن يكون الأخير، فمشهد إخراج الجنين حيًا من رحم أمه الشهيدة، أو اندفاعه نحو الحياة رغم شدة انفجار صواريخ وقنابل الاحتلال الإسرائيلي، المحشوة بمواد الكراهية والعدائية العنصرية، ورغم سعة مساحة النار والشظايا التي تنال كل شيء حي في دائرة الهدف، كان وسيبقى الأسطورة الواقعية المادية الملموسة للإنسانية بكل اللغات، المتفوقة على الأسطورة  الخيالية الموروثة، حتى لو كانت أسطورة طائر الفينيق، مشهد يراه أصحاب الضمائر الإنسانية الحية الحرة، ويرويه الصادقون المخلصون بأفكارهم وأعمالهم لتخليص أمة الإنسان من شر وجحيم الصهيونية الدينية الإرهابية، وجرائم دولتها "إسرائيل".

ففي العاشر من آب ولدت جمانة عرفة زوج أبو القمصان التوأم: "آسر وآيسل" بعملية قيصرية – لاحظوا حتى الولادة كانت أصعب من قصة نزوح العائلة من غزة إلى أبراج الزهراء في ضواحي المدينة، حتى استقرا مع والدة زوجته في شقة بأبراج القسطل في دير البلح. فذهب الوالد محلقًا بأمل بلا حدود نحو الحياة، رغم ازدحام آلات القتل العشوائي والدمار الصهيوني الزاحف على الأرض، وأعاصيره المدمرة الخارقة لفضاء السماء وشرائعها، وقوانين الأرض وشرعيتها، لاستلام شهادتي ميلاد لولديه وهما في سن "48 ساعة"، ومن حسن حظهما أنهما لم يدركا أن كل ساعة عاشوها، كانت تعادل - خارج مملكة الحنان والفرح "حضن أمهما وجدتهما" تعادل مئة سنة شقاء مما يعد ويحسب الناس العاديون أعمارهم. لكن انفجارات صواريخ وقذائف أسلحة جيش الاحتلال، هزت مشاعر الوالد وأحاسيسه، لكنه ظل ممسكًا بشهادتي الميلاد تفاؤلاً بسلامة عائلته، إلى أن بلغه الخبر اليقين ورأى بعينيه في مستشفى شهداء الأقصى جثامين ولديه آسر وآيسل وزوجه جمانة ووالدتها ريم البطراوي. فأدرك الرجل المؤمن بالميلاد والحياة والسلام أن "اللص الصهيوني العنصري" الذي سرق أرض أجداده، وأحرق الأبرياء وهم أحياء، وطمر آلاف الأطفال والنساء تحت ركام منازلهم المدمرة، وحول النازحين، في مدرسة التابعين إلى أشلاء، لا يميز كبيرهم من صغيرهم إلا بميزانها، أدرك أن الجندي المجرد من إنسانيته، المسير بريموت العدائية المطلقة، المحتمي بجبل من الفولاذ والنار تسمى في لغة الجيوش دبابة ميركافا 4 هو الذي "اغتال فرحة عمره".

لا يحتاج العقلاء في هذا العالم لرسول في هذا العصر، لينبئهم أن أعداء الحياة ينكرون على الفلسطيني ميلاده، وسيرته وسرديته، ويكتمون أنفاس مولودها حتى قبل صرخته الأولى، وإذا نجا، فسينالونه بعد ساعات، مثل آسر وآيسل، أو في عز الشباب كأمهما جمانة، أو لو بعد خمسين عامًا كجدتهما ريم، فهنا يغتال التلموديون الحقيقة، ويسلبون الحق بقوة الحديد والنار، ويئدون السلام في الأرحام أو بعد صرخة الميلاد. وستنحفر في ذاكرة الأمم المحبة للسلام وكرامة الإنسان، أن الصهيونية الدينية التلمودية العنصرية رغم تسبيقها فعل القتل والموت على منطق ومبدأ الحياة، إلا أننا بعد كل جولة كنا ومازلنا على العهد أن تبقى شهادة ميلاد الفلسطيني أسبق.