ظاهرة المشروع الاستعماري الصهيوني، رغم أنه مشروع مخترع ومفبرك قام على الخزعبلات والأساطير والميثولوجيا من مجموعة بشرية من المرتزقة تنتمي لاثنيات تتبع الديانة اليهودية، جلها من يهود الخزر الأشكناز، والتي لا أصل لها وبموجبه أقامتها دولة الغرب الرأسمالي لخدمة مصالحها وأهدافها في الوطن العربي، وتم اختيار فلسطين التاريخية مركزًا لتجسيدها على ترابها، كونها تقع في قلب العالم العربي لتحقيق الهدف المركزي فصل المغرب عن المشرق العربي، ونهب ثروات الأمة العربية، وإبقائها في دائرة المحوطة والتبعية للغرب، والحؤول دون وحدة ونهوض شعوب الأمة، إلا أن هذا المشروع الكولونيالي شكل ظاهرة سياسية واجتماعية لها ميكانزماتها الخاصة. ومع أن هذه الظاهرة – المشروع حمل في ثناياه عوامل فنائه واندثاره، لأنه طارد مقومات البقاء والاستمرارية، بحكم عدم أصلانيته، ونتاج حجم التناقضات الواسعة والعميقة المتأصلة فيه مع نشوئه وتأسيسه، والتي تعمقت مع صعوده وتطوره بفضل الدعم الكامل من دول الغرب عمومًا والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، ولولاها فإن المشروع -الدولة كان سيضمحل ويتلاشى ارتباطًا بالعوامل الذاتية والموضوعية ذات الصلة بتركيبه ودوره الوظيفي النفعي في المحيط العربي وإقليم الشرق الأوسط عمومًا.
هذا المشروع الصهيوني وقاعدته المادية دولة إسرائيل اللقيطة وصل في ظل حكومات نتنياهو إلى الذروة، وولج بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 مرحلة التوحش والانفلات غير المسبوق في إرهابه ودمويته على الشعب العربي الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، وأطلق العنان لهدف الابادة الجماعية ضده، مما فاقم من انكشاف عدم أهليته نتاج رفضه خيار السلام والتعايش مع شعوب الأمة العربية عمومًا والشعب الفلسطيني خصوصًا، مما دفع قطاعات واسعة من الشعوب والأنظمة الغربية تحديدًا بالتراجع النسبي عن دعمه، وإعادة النظر تدريجيًا بالمسألة الفلسطينية، والشروع في دعم الحقوق والمصالح الفلسطينية، وتوسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتبني سردية الشعب الفلسطيني المشروعة. وبالتالي أخذ المشروع الصهيوني ودولته النازية بالتراجع والانكفاء، رغم الدعم شبه المطلق من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول العميقة في الأنظمة الأوروبية الامبريالية، لاعتقادها أن الأداة الإسرائيلية الوظيفية مازالت الأكثر التزامًا ونفعًا في خدمة مصالحها الحيوية في ظل التحولات الجيو سياسية العالمية مع بداية تشكل منظومة عالمية متعددة الأقطاب، وجيشت إمكاناتها السياسية والديبلوماسية والعسكرية الأمنية لتأمين الغطاء والحماية الكاملة لإسرائيل اللقيطة.
وعِطَافًا على ما تقدم، فإن حكومة الائتلاف الحاكم الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو صعدت من إبادتها الجماعية للشعب الفلسطيني مع دخول الإبادة الجماعية شهرها الحادي عشر، وأدارت الظهر لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ولأبسط حقوق الإنسان العالمية، وتحدت العالم أجمع، لا بل شرعت بمحاكمة هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الأممية عمومًا ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"، التي صادق برلمانها "الكنيست" على قرار ينص على اتهام الوكالة بالإرهاب، وما زال رئيس حكومة إسرائيل وأقرانه في الائتلاف الفاشي يصرون على مواصلة الحرب والإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لنفيه وتطهيره عرقيًا من أرض وطنه الأم فلسطين.
وارتباطًا بذلك، نادى بتسليئيل سموتيريش، وزير المالية النازي إلى منع المساعدات الإنسانية عن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واعتبر ذلك "مبرر أخلاقي"، حتى لو تسبب ذلك في إبادة مليوني مدني فلسطيني من الجوع والمرض والقتل بأسلحة الدمار الشامل الأكثر حداثة وتطورًا الأميركية والألمانية والبريطانية والفرنسية، بحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل" يوم الاثنين الماضي (5 آب/ أغسطس الحالي). وكان سبقه لذلك اتيمار بن غفير، وزير ما يسمى "الأمن القومي" في فرض التجويع والتعذيب الوحشي المعلن واللا مسبوق ضد أسرى الحرية الفلسطينيين، بانتظار إقرار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين لإبادتهم وقتلهم جميعًا.
ومع ذلك لم نسمع أصوات العالم "الحر" أدانت هذه المواقف النازية المنفلتة من عقال القانون الإنساني الدولي، ومن الرأي الاستشاري لحكمة العدل الدولية وقرارات الشرعية الدولية المنادية جميعها بوقف الإبادة الجماعية فورًا وبشكل دائم. وأن خرجت بعض الأصوات المتناثرة هنا وهناك، فهي أصوات خجولة ولا ترقى لمستوى المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية، الأمر الذي يكشف عن إفلاس وسقوط هذا العالم غير الحر. لأنه متواطأ وشريك وقائد الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه الوطنية العليا. والسؤال إلى متى سيبقى هذا العالم غير الحر صامتًا على الإبادة؟
هذا التطور الخطير يفرض على القيادات الفلسطينية عمومًا وقيادة منظمة التحرير خصوصًا إعادة نظر في برامج المواجهة مع دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها وأمامها الولايات المتحدة الأميركية، وتفعيل الأطر والهيئات القيادية المختلفة للمنظمة وخاصة عقد المجلس المركزي للمنظمة لتنفيذ قراراته المتخذة سابقًا واشتقاق رؤى برنامجية نوعية تستجيب لتحديات المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ القضية الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها