في الأسابيع الأولى للحرب أطلق المسؤولون الإسرائيليون تصريحات تعبر عن كراهية وعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومن المؤكد أن هذه التصريحات، كتصريح وزير الحرب الإسرائيلي غالانت عند وصف الغزيين بـ "الحيوانات البشرية" إذا استخدمت ضد اليهود  لسمعنا فورًا بأنها لاسامية وتدعو للكراهية. وتحتاج إلى رد فوري من الدول الديمقراطية. تاريخ المسؤولين الإسرائيليين يعج بالتصريحات العنصرية المعادية للسامية، مثل تصريح حاخام السفارديم عوفاديا يوسف عندما وصف الشعب الفلسطيني بـ "الصراصير والأفاعي" وغيرها كثير مثل هذه التصريحات.
ما معنى مصطلح معاداة السامية، كما هو معروف وشائع، يعني ذلك التمييز الذي كانت تمارسه الشعوب الأوروبية ضد اليهود، وهو تمييز واضطهاد استمر قرونا طويلة وأخذ أشكالاً متعددة، وبلغ ذروته خلال الحرب  العالمية الثانية بالهولوكوست، المحرقة النازية لليهود. وإسرائيل ومعها أوساط أميركية وغربية يحاولون الدمج بين نقد سياسات إسرائيل أو احتلالها للشعبالفلسطيني والأرض الفلسطينية، أو للآيديولوجيا الصهيونية العنصرية بمصطلح معاداة السامية بمعنى تحريم نقد إسرائيل، ويعتبرون أن من ينتقدها أو ينتقد الصهيونية وكأنه يدعو لتدمير إسرائيل، ولكن عندما تمارس هذه الأخيرة سياسة لا يمكن وصفها إلا أنها معادية للسامية فإنهم يصمتون صمت الجبال.


لماذا إسرائيل دولة معادية للسامية؟


في إعلان نشأتها الذي قرأه ديفيد بن غوريون ليلة الخامس عشر من أيار / مايو 1948، قالت إسرائيل إنها دولة حصرية، بمعنى أنها دولة يهودية حصرًا، أي أنها ميزت من اللحظة الأولى بين مواطن وآخر، هذا التميز هو لاسامي، كونها تصرفت كما تصرف الأوروبيون عندما كانوا يعاملون اليهود على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وإسرائيل تعامل العربي الفلسطيني كذلك وربما التمييز ضده أشد. والقوانين الإسرائيلية الأخرى معظمها تميز بشكل واضح ضد من هم غير اليهود، من أبرز هذه القوانين قانون "العودة "  وهو قانون حصري أيضا،  بحيث يحصر حق العودة باليهود فقط ويقدم لليهودي الذي يقرر القدوم للبلاد امتيازات لا حصر لها، ويحصل على الجنسية فورا، كما من حقهأن ينتخب ويترشح للكنيست فورا أيضا، وهي حقوقوامتيازات لا يمكن أن يحصل عليها غير اليهودي.


كما أن تملك الأرض أو استئجارها هو  محصور لليهود دون غيرهم،  علما بأن 93 % من الأراضي هي مملوكة للدولة، وهذه الأخيرة تمنع منعا باتا انتقالها أو حتى تأجيرها للعرب، وذلك وفقا لقانون الصندوق القومي اليهودي( الصهيوني )، وإسرائيل وبشكل لا يقبل الشك تصر على أنها دولة حصرية ومنغلقة على نفسها عندما سن الكنيست عام 2018 قانون يهودية الدولة، وهو قانون عنصري لا يمكن وصفه سوى أنه معاد للسامية بامتياز لأنه قام عمليا بإلغاء حق المواطنة لمنهم غير يهود في الدولة وحصر حق تقرير المصير  على "أرض إسرائيل" بالشعب اليهودي، وهو قانون غلب هوية اليهودية للدولة على  طابعهاالديمقراطي.
نعود للتصريحات العنصرية المعادية للسامية، وبالتحديد لتصريح غالانت، الذي وصف فيه الفلسطينيين بأنهم  "حيوانات بشرية "، أو تصريح عوفاديا يوسف بأن الفلسطينيين صراصير وثعابين، ونرى جذرها التلمودي في الثقافة اليهودية التقليدية. الفيلسوف اليهودي الأندلسي موسى بن ميمون، وهو أحد أهم كتاب التلمود في التاريخ اليهودي كان شخصا عنصريا. فقد ميز بحق البدو وأصحاب البشرة السوداء والأتراك "الماغول" وغيرهم من الأعراق، وقال إنهم ليسوا بشرا إنهم أقرب إلى الحيوانات، هم على درجة من القرود وأقل من الإنسان، هذا النص وارد في التلمود، هذه المعلومات ولكي لا أتهم بأني معاد للسامية. اقتبستها من كتاب تاريخ اليهودية للكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاحاك والذي نشره عام 1994 باللغة الإنجليزية، شاحاك وهو من الليبراليين الإسرائيليين والذي يؤمن بالانفتاح والسلام مع الشعب الفلسطيني.

ومناهض لفكرة الحصرية والانغلاق، استعرض في كتابه الجذور العنصرية والتي يمكن وصفها بأنها معادية للسامية، ويورد شاحاك النصوص التلمودية المعادية للأديان الأخرى والازدراء بها، وبالمناسبة هي نصوص لا يمكن نشرها في هذا المقال لما تتضمنه من كراهية عمياء. وحقد أسود.
فكرة الحصرية والانغلاق هي مزيج من اليهودية التقليدية والصهيونية، وهي مزيج فيه الكثير من التمييز ضد غير اليهود. والمشكلة هو أننا يجب أن نصمت ولا ننتقد هذا التمييز وإلا أصبحنا معادين للسامية. وربما نحن أكثر من يتفهم معاناة اليهود في أوروبا، ولا يمكن الموافقة على هذا التاريخ الطويل من اضطهاد اليهود، بالمقابل لا يمكن أن نصمت على سياسات وقوانين التمييز الإسرائيلية ولن نقبل باحتلالها لنا.