الجنوب المتوحش

معاريف - حنان غرينبرغ:13/12

­(المضمون: في هذه الاثناء ستتواصل ألعاب القط والفأر بين اسرائيل وقطاع غزة. وقد تكون هذه تبدو بسيطة، الا أنها عمليا مفعمة بالتوترات والمخاطر. ثلاث سنوات على رصاص مصبوب، والطريق الى حملة اضافية آخذة في القصر)

عشية الذكرى الثالثة لحملة رصاص مصبوب في قطاع غزة، يتلقى الجيش الاسرائيلي هدية من انتاج القطاع، ارهاب آخذ في التصاعد والتطور بوتيرة مقلقة في شبه جزيرة سيناء. لماذا هدية؟ لانه بين غزة وسيناء لا يوجد رابط جغرافي فقط، بل اتصال ارهابي وثيق. في الماضي وجد هذا تعبيره أساسا في الوسائل القتالية التي كانت تهرب من الاراضي المصرية عبر الانفاق وتصل حتى خانيونس وجباليا، في الاونة الاخيرة اضيفت الى ذلك، بقوة أكبر، خطط العمليات التي تبدأ في القيادات في القطاع وتنتهي في طريق 12، مثلما في العملية في آب الماضي بجوار نتافيم.

في اطار هذه الحرب توجد جملة من الاعتبارات الواسعة، المركبة والخطيرة البعيدة عن علم الجمهور: كيف يمكن العمل في القطاع لتشويش العملية في سيناء، وبالاساس – ما هي اثار حدث من هذا النوع. محظور علينا أن نرتبك، فهو وجع رأس غير قليل أن يتخذ القرار اذا كانت تصفية مخطط العملية في ايلات، مثلما رأينا في الاسبوع الماضي "تستحق المخاطرة في أن يدخل مئات الالاف في منطقة الجنوب في حالة تأهب لامتصاص الضرب".

هذه معادلة مع متغيرات كثيرة. هناك احداث تندرج ضمن "قواعد اللعب" ولا تحظى برد فعل؛ مثلا في الاسبوع الماضي ضرب الجيش الاسرائيلي خليتين للجهاد الاسلامي كانتا تستعدان لاطلاق الصواريخ من شمالي القطاع. في الجيش انتظروا بضع ساعات ورد الفعل لم يصل، وذلك لان النشاط الهجومي للجيش كان نحو خلايا اطلاق صواريخ في زمن حقيقي؛ بمعنى أن احباط النار لا يتلقى رد فعل. أما الاحباط المركز – فهذه قصة اخرى.

في نهاية الاسبوع رأينا شبه تصعيد ينبع على ما يبدو من الانتماء التنظيمي للمخرب المصفى. ولما كان الحديث لا يدور عن رجل حماس او الجهاد، فقد كان رد الفعل الفلسطيني واهٍ نسبيا. التشديد هو بالطبع على كلمة نسبيا، إذ أن من جعل بئر السبع واسدود أهداف شرعية للنار لغرض تنفيس الغضب، يراهن بكل الصندوق مما هو كفيل بان يؤدي الى رد فعل حاد من جانب اسرائيل. ومؤخرا اضيف الى جملة الاعتبارات جانب آخر: هل يمكن العمل هجوميا قبل أن تكون منظومة "قبة حديدية" جاهزة ومستعدة لاعتراض الصواريخ؟ في الجيش الاسرائيلي فهموا بان للدفاع الجوي ثمة أهمية في مسألة كيف ستبدو جولة التصعيد، والان يتعين عليهم أن يأخذوا بالحسبان هذا المعطى ايضا.

لا ريب أن من ينظر من الجانب يرى أن ما يحصل ابتداء من شهر آذار من هذا العام بين غزة واسرائيل هو مثابة لعبة القط والفأر حيث أن كل طرف يتبادل الدور. أحد غير معني في ان يحمل الوعاء المتلظي هذا الى نقطة التفجير بل مواصلة اللعب حاليا حسب القواعد القائمة. مريح لحماس، الجهة الاقوى في القطاع، مسيرة التعاظم المتواصلة، مع تعميق قدرة الحكم في القطاع ومع الغمز لفتح على خلفية اتفاق السلام. صحيح ان لاسرائيل خططا لحملة في القطاع، ولكن القادة يفضلون ابقاءها عميقا في الدرج والانشغال ببضعة مواضيع اكثر اشتعالا. إذن في هذه الاثناء ستتواصل ألعاب القط والفأر بين اسرائيل وقطاع غزة. وقد تكون هذه تبدو بسيطة، الا أنها عمليا مفعمة بالتوترات والمخاطر. ثلاث سنوات على رصاص مصبوب، والطريق الى حملة اضافية آخذة في القصر.

 

كيف أوقفنا الليبرالية الهوجاء

يديعوت أحرونوت – افيعاد كلاينبرغ:13/12

بادرت عضو الكنيست انستاسيا ميخائيلي الى اقتراح قانون يمنع استعمال مكبرات الصوت لدعوة المصلين. وأرادت ميخائيلي ان تؤكد ان القانون يتجه على المساجد والكنس والكنائس سواءا. أي أنه اذا استقر الرأي على ان يُستبدل مكبر صوت بقرع أجراس الكنائس، واذا استقر الرأي على ان يضاف جهاز نداء الى الكنس فسيلقى المؤمنون بدين موسى واسرائيل والمؤمنون بدين الناصري سلطات القانون في وجوههم. وفي اثناء ذلك لا يتعلق القانون إلا بالمسلمين، لكن هذا الامر باتفاق في الحاصل العام. فليس الحديث، معاذ الله، عن محاولة اخرى للمس بالجماعة المسلمة في اسرائيل وتضييق خطواتها المضيقة أصلا. الهدف الوحيد للقانون هو الحفاظ على راحة مواطني الدولة كراحة مواطني قيساريا مثلا الذين لا تقلقهم القذارة التي تنبعث عن المجاري المفتوحة في جسر الزرقاء لكن صوت المؤذن يقلقهم، جدا.

في الماضي، في اماكن اخرى وجدت ادارات اهتمت اهتماما كبيرا بحقوق الصغار ومنعت ختان الاطفال مثلا – لا لأنها أرادت، والعياذ بالله، أن تمس بالجماعة اليهودية، فقد منعت ايضا ختان النصارى. صحيح ان النصارى لا يختنون أبناءهم لكنهم اذا استقر رأيهم فجأة على فعل هذا فسيجدون القانون بالمرصاد.

هل معنى القانون الجديد انه يُمنع التنبه بُكرة واقلاق نوم الجيران العلمانيين؟ هل يجب وقف الصفير الذي يُشعر بدخول السبت؟ ماذا دهاكم بربكم. في النقاش الذي تم بهذا الشأن في الحكومة دافع بنيامين نتنياهو بحرارة عن هذا الجهد الطيب للحفاظ على راحتنا. وزعم رئيس الحكومة قائلا: "في كل دول اوروبا توجد هذه المشكلة وهم يعرفون كيف يعالجونها... لا يجب ان نكون أكثر ليبرالية من اوروبا".

ان رئيس الحكومة على حق بالطبع. فلا يجب علينا ان نكون أكثر ليبرالية من اوروبا، حسبنا ان نكون ليبراليين كدول اوروبا. وهذه المهمة، ويا ويلنا، غير سهلة ألبتة.

في اثناء ذلك فان وضع حقوق الانسان (غير اليهودي)، ووضع حرية التعبير ووضع فصل الدين عن الدولة ووضع الحقوق الاجتماعية للنساء والأقليات غير براق عندنا حقا. لكن لا يمكن ألبتة ان يكون براقا بقدر كاف. ان رئيس الحكومة يرى ما سيولد. ونحن الآن لا نمتاز بليبرالية كبيرة في الحقيقة لكن خطر الليبرالية يترصدنا ويحسن ان نسبق الداء بالدواء وإلا فان الامر قد يصبح متأخرا جدا. ويبدأ هذا بالتسامح مع دين الآخر ومن ذا يعلم أين سينتهي.

علاوة على النفاق والتحمس غير الملجم للاضرار بالأقلية المسلمة بكل صورة وشكل – بقانون أو بغير قانون – يتبدى هنا نظام نفسي يثير العناية. فمهما نفعل فسننجح دائما في ان نجد دولة ما في العالم تسلك سلوكا مشابها أو حتى أكثر غلواً. فعند الدانماركيين قوانين هجرة صارمة بصورة متميزة، وفي الولايات المتحدة غير قليل من تسييس الجهاز القضائي، وفي بريطانيا الملكة هي رئيسة الدولة ورئيسة الكنيسة الانجليكانية، وفي فرنسا حزب يمين متطرف انتقل مرشحه للرئاسة الى الجولة الثانية من الانتخابات. والقضية ان هذه الحقائق – وهي اشكالية في ذاتها بحسب كل معيار – تُنتزع من سياقها. فالنظم المركبة التي نشأت في هذه الدول لابطال الأخطار التي في القوانين وفي التقاليد التي تُعرض حقوق الفرد للخطر، تُنسى. الأساس أن نجد لنا علّة اخرى لاحلال عدد المفاسد التي نحوزها في أيدينا والتي أخذ عددها يزداد.

أتذكر الأغنية الجميلة لنوريت زرحي، "كاملة"، عن فتاة تنجح في ان تجد تسويغا لكل عمل من اعمالها الهوجاء لأنه توجد دولة يكون فيها هذا العمل "مقبولا". وهذه البنت – وهي اسرائيلية على نحو سافر – تنهي بالاعلان التالي: "في كل مرة يُنبهونني فيها/ أبحث في الكتب/ لأنه في مكان ما هناك في العالم توجد ارض/ تُعد فيها بنت مثلي كاملة".

تستطيعون الكف عن البحث. ففي اسرائيل، اسرائيل بلا شك، هي الدولة الكاملة. فكيف هي في اماكن اخرى؟ أقل فأقل.

 

موت رامي حجارة

هآرتس - يونتان بوليك:13/12

(المضمون: تأبين وإجلال لمصطفى التميمي الذي أُطلقت عليه النار يوم الجمعة فأردته قتيلا لأنه تجرأ فقط على مقاومة سلب اراضي قريته).

رمى مصطفى التميمي حجارة. بلا اعتذار وبلا خوف احيانا. لا في ذلك اليوم فقط بل في كل يوم جمعة تقريبا. وقد كان يخفي وجهه ايضا، لا خشية زنزانة الاعتقال التي عرفها من قبل بل ليحافظ على حريته كي يستطيع الاستمرار في رمي الحجارة ومقاومة سلب ارضه. وقد فعل هذا حتى لحظة موته.

على حسب ما قالت صحيفة "تلغراف" البريطانية في رد على الاخبار عن اطلاق النار على التميمي تساءل متحدث قيادة المركز في موقعه في "تويتر" من جملة ما تساءل عنه: "ما الذي فكر فيه مصطفى حينما جرى وراء سيارة جيب سائرة ورمى الحجارة؟". هكذا، ببساطة وسخرية، فسر المتحدث لماذا كان التميمي متهما بموته هو.

أُطلقت النار على رأس مصطفى التميمي من قرية النبي صالح – وهو ابن اخلاص وعبد الرازق، وشقيق خولة وصدام وزياد، والتوأمين عدي ولؤي – من مدى قصير في يوم الجمعة. بعد ذلك ببضع ساعات في صباح السبت في الساعة 9:21 دقيقة مات متأثرا بجراحه. أطلقوا عليه قنبلة غاز من داخل سيارة جيب عسكرية مدرعة عن مبعدة أمتار معدودة. ولم يطلق عليه النار من أطلقها خوفا. فقد سدد فوهة البندقية من خلال باب السيارة المدرعة وأطلق على تعمد واضح.

مطلق النار جندي. وظلت هويته مجهولة وربما تبقى كذلك الى الأبد، وقد يكون هذا جيدا، فالكشف عن هويته وعقابه سيخدمان فقط تبييض جرائم الجهاز كله وكأن تفاحات عفنة تسقط بعيدا عن الشجرة. وكأنه لا مشاركة للمواطن الاسرائيلي غير المكترث وللنقيب ولقائد السرية ولقائد الكتيبة ولقائد اللواء ولقائد الفرقة وللواء ولرئيس هيئة الاركان ولوزير الدفاع ولرئيس الحكومة في اطلاق النار.

المتحدث على حق. فالتميمي مات لأنه رمى الحجارة؛ ومات لأنه تجرأ على قول الحقيقة مستعينا بيديه في مكان تُمنع فيه الحقيقة. وكل نقاش لصورة اطلاق النار أو قانونيته أو أوامر اطلاق النار – يقبل مقدما افتراض ان صاحب البيت لا يجوز له ان يطرد الغازي، فللغازي الحق في ان يطلق النار على صاحب البيت.

ان جثة التميمي صارت هامدة لأنه كانت له الشجاعة ليرمي الحجارة في اليوم الذي بدأت فيه الانتفاضة الاولى قبل 24 سنة. وهي الانتفاضة التي خرج منها اولاد الحجارة الفلسطينيون. شقيقه عدي سجين في سجن عوفر ولم يحظ بالمشاركة في جنازته لأنه تجرأ هو ايضا على رمي الحجارة، ولم يُسمح لشقيقته في ان تكون الى جانبه في لحظاته الاخيرة برغم انها غير متهمة برمي الحجارة بل لمجرد أنها فلسطينية.

كان التميمي شخصا شجاعا قتل لأنه رمى الحجارة ورفض ان يخاف من حامل السلاح الذي قعد آمنا داخل سيارة الجيب العسكرية المدرعة. ان الهدوء الذي ساد يوم موت التميمي في الوادي الذي يؤدي من قرية النبي صالح الى الاراضي التي يحاول مستوطنو حلميش السيطرة عليها، كان يثير القشعريرة بقدر أقل بقليل فقط من صراخ أمه الذي دوى فيه بين الفينة والاخرى. سار آلاف من رُماة الحجارة خلفه في جنازته. وقد أُنزل في القبر وغطت الحجارة جسده ووقف جنود عند مدخل قريته.

ان الجيش لا يستطيع ان يتحمل حتى وحدة الفراق وحزنه. فقد وقف جنوده مسلحين كي يمطروا أصحاب الحداد الذين نزلوا الى اراضي القرية بعد الجنازة، بالغاز. وفي حين يتجول الجندي الذي أطلق النار وقتل حرا، نُقل ستة من المتظاهرين الى مركز الشرطة.

يا مصطفى التميمي، نحن نسير وراء جثتك بعيون مملوءة بالدموع مغضوضة الى الارض ونُجلّك لأنك مت لأنك رميت الحجارة ولم نفعل نحن ذلك.

 

لا تُغضبوا بوتين

يديعوت أحرونوت- غيورا آيلاند:13/12

(المضمون: الدعوة الى صفقة عامة بين روسيا والولايات المتحدة تحفظ مصالح الطرفين الكبرى وتتدخل اسرائيل لاتمامها بتأثيرها في الولايات المتحدة).

أغضبت هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، قبل اسبوع جهات في اسرائيل حينما انتقدت علنا ظواهر مثل إقصاء النساء. وقد بالغت هذا الاسبوع حينما انتقدت بشدة عملية الانتخابات في روسيا وأفضى هذا الانتقاد كما كان متوقعا الى رد غاضب جدا من بوتين.

ما الذي أرادت السيدة كلينتون ان تحرزه بحديثها عن مفاسد الديمقراطية الروسية؟ ليس واضحا. أما الواضح فهو أن هذا القول قد قلل أكثر احتمال منع قنبلة ذرية عن ايران، ولا صلة بين هذين الأمرين في الظاهر لكن الحديث في الواقع عن صلة قوية جدا.

ان روسيا، مثل أكثر الدول في العالم، لا تريد ان تصبح ايران قوة ذرية، بيد ان هذا بالنسبة لروسيا مصلحة أهميتها ضئيلة جدا. فما هي المصلحة الروسية التي هي أقوى من ذلك؟ يوجد في نظر بوتين (أو روسيا بشكل عام) ثلاث مصالح كهذه: الاولى، ألا تتدخل أي جهة خارجية، والولايات المتحدة في الأساس، في شؤون بلاده الداخلية؛ والثانية، ان تظل الدول التي كانت ذات مرة جزءا من الاتحاد السوفييتي تحت تأثير روسي؛ والثالثة، ان يعيد الى روسيا مكانتها باعتبارها قوة عظمى مساوية للولايات المتحدة.

ويرى بوتين ان الولايات المتحدة، في عهد بوش وعهد اوباما، تعمل بصورة منهجية وعلى عمد للمس بهذه المصالح الثلاث بالضبط. ففي سنة 2005 زار نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك، تشيني، زار لتوانيا – وهي دولة حساسية روسيا بها من أعلى الحساسيات – وفي خطبة علنية هاجم بوتين شخصيا لعدم وجود ديمقراطية في روسيا. وقام نائب الرئيس الحالي، بايدن، بفعل أشد حينما زار جورجيا في تموز 2009 بعد الحرب بسنة فقط بين هذه الدولة وروسيا، وأيد بخطبة معلنة موقف الجورجيين بل وعد بمساعدة عسكرية سخية.

ما الذي تسببه هذه التصريحات كتصريح السيدة كلينتون؟ تسبب قرارا روسيا محسوبا على التشويش على كل مبادرة ومصلحة امريكية سواء كان الحديث عن ايران أو عن سوريا أو عن كل مكان آخر، ولهذا كلما أرادت الولايات المتحدة ان تستعمل ضغطا أكبر على ايران وطلبت تأييدا دوليا، ستعارض روسيا.

ان المعارضة الروسية لكل مبادرة تفضي الى عزل ايران تُسهل على دولتين كبيرتين أخريين أن تسيرا على آثارها وهما الصين والهند اللتان تحتاجان الى النفط الايراني. ومن المريح لهما ان تختبئا وراء الظهر الروسي العريض. وتكون النتيجة واضحة وهي ان ايران في ضغط حقا لكنه ليس ضغطا يستطيع ان يفضي الى النتيجة المأمولة.

وماذا تستطيع اسرائيل أو يجب عليها ان تفعل في هذه الحال؟ ان هذه الظاهرة التي نصفها واضحة في اسرائيل منذ سنين لكن رؤساء الحكومة يمتنعون عن ان يوصوا الامريكيين بالأمر الوحيد الذي ربما يوقف ايران أو يفضي الى سقوط النظام هناك بلا عمل عسكري. وهذا الشيء هو "صفقة عامة" امريكية – روسية تعطي الولايات المتحدة، من جملة ما تعطي، ما هو مهم جدا في نظرها – تحالفا فعالا على مواجهة ايران – ولا تضر من جهة ثانية بمصالح روسيا الثلاث الأهم.

ان خطأ الامريكيين أنهم ينظرون الى روسيا كما نظروا (وبحق) الى الاتحاد السوفييتي زمن الحرب الباردة بيد أنه يوجد فرق عظيم بين ذلك الحين والآن. فقد حاول الاتحاد السوفييتي آنذاك ان ينشر الشيوعية على حساب مصالح امريكية مركزية. والوضع اليوم يختلف تمام الاختلاف، فتضارب المصالح الحقيقية بين الدولتين ضئيل ويمكن أن تتم تسويته.

ونعود إلينا: هل من المناسب ان نتدخل في شؤون "الكبار"؟ حينما يكون الحديث عن شأن مهم جدا ويكون الحل واضحا جدا، فان الجواب واضح.

 

استجمام برعاية الاخوان

هآرتس - تسفي بارئيل:13/12

(المضمون: كيف تحولت سياحة الشواطيء في مصر التي تشكل نحو 60 في المائة من عموم السياحة في مصر، الى فرصة للاخوان المسلمين لتلطيف صورتهم كحزب ديني متطرف)

"الحكومة أعدت خطة جديدة لتشجيع السكان على اللياقة"، هكذا بشر العنوان الساخر فوق صورة نشرت الاسبوع الماضي في عدة صحف مصرية. وقد ظهرت في الصورة امرأة كبيرة السن، ترتدي فستانا طويلا وحجابا على رأسها، وترفع فوق رأسها اسطوانة غاز. هذا هو المنتج الفاخر الجديد الذي يقف الاف المصريون في الطابور لتحصيله. ومرة اخرى يتبين ان مشاكل قديمة لا تحل في ميدان التحرير ولا في لجان صياغة الدستور. فهي تبرز في كل مرة من جديد، وتؤكد الوضع المتكدر لمصر. اسطوانات الغاز مرة اخرى ناقصة في السوق، ومثلما في عهد مبارك، مع وعود الحكومة بتحسين وتيرة توريدها، لا يمكن الطبخ. ولكن ما هي اسطوانات الغاز بالقياس الى الانفعال الهائل قبيل الجولة الثانية من الانتخابات، التي تبدأ اليوم. فهل مرة اخرى سيحظى حزب الحرية والعدالة للاخوان المسلمين بنصيب كبير من اصوات الناخبين، وماذا سيكون نصيب حزب النور السلفي؟ هل سينجح العلمانيون في توحيد صفوفهم وتحسين مكانتهم في البرلمان القادم؟الصراع ضد الاحزاب الدينية لا يتلخص في عقد تحالفات سياسية بين قيادات الاحزاب العلمانية. القطاع التجاري هو الاخر يخشى من الاحزاب الدينية. مثال على ذلك هو مبادرة "ائتلاف دعم السياحة"، الذي يضم نحو 1.500 نشيط في فروع الفندقة والمطاعم قبيل الجولة الحالية من الانتخابات بشعار "السياحة هي رزق أبنائنا". هذا الشعار ولد على خلفية التصريحات الاخيرة لزعيم حزب النور عبدالمنعم الشحات بان حزبه سيمنع سياحة الشواطيء - اسم عمومي لسياحة الاستجمام "غير الاخلاقية"، التي تخلط النساء بالرجال – وبدلا منها سيحث السياحة الدينية، سياحة المؤتمرات وسياحة الاثار. الاخوان المسلمون اكتشفوا بان تصريحات الشحات، الذي فشل في جولة الانتخابات الشخصية هي ذخر انتخابي لهم، وسارعوا الى نشر خطة شاملة لتقدم السياحة في مصر. في خطتهم، التي تتضمن زيادة عدد الفنادق، تسهيلات ادارية للمستثمرين في فرع السياحة وحملات دعاية في ارجاء العالم – لا تظهر ولا حتى كلمة واحدة ضد سياحة الشواطيء. وهذه بشرى هامة لفرع السياحة – الذي يرتزق منه أكثر من 3 مليون شخص ويشكل نحو 17 في المائة من الانتاج القومي الخام. وعندما يكون نحو 60 في المائة من السياحة هي سياحة شواطيء، فان ايديولوجيا الاخوان المسلمين تتراجع امامها.

كقاعدة، بين الاخوان المسلمين والحركة السلفية تسود علاقات شديدة المقت المتبادل. الاخوان يعتقدون انه لولا قرر السلفيون، خلافا لتقاليدهم، التنافس في الانتخابات، لكانت قوتهم في البرلمان أكبر بكثير. فالسلفيون، كما يدعون، رأوا دوما في الاخوان خونة لمبادىء الدين لمجرد مشاركتهم في السياسة، وها هم بأنفسهم يلعبون في ذات الملعب. في نفس الوقت، فان قسما من زعماء الاخوان يرون فضلا في مشاركة السلفيين في الانتخابات، وذلك لان الاخوان المسلمين يبدون الان كممثلين للاسلام المعتدل، بالنسبة للسلفيين الذين يتوعد الناطقون بلسانهم بحظر بيع الكحول وفرض الحجاب على النساء. مشورة طيبة تلقاها الاخوان من الغنوشي، زعيم حركة النهضة المتدينة في تونس، الذي حظيت باغلبية الاصوات وتشكل الحكومة. فقد قال الغنوشي الاسبوع الماضي في اثناء زيارة له الى الولايات المتحدة "اني اقترح على الاخوان المسلمين، في أنهم اذا ما وصلوا الى الحكم، ان يشكلوا تحالفا يضم الاحزاب العلمانية والمسيحية وكذا اولئك المقربين من المجلس العسكري الاعلى". وعلى حد قوله، فان "هذه العناصر الثلاثة، رغم أنهم أقلية، الا ان لهم تأثير كبير في المجتمع، ولهذا فان تحالفا كهذا يمكنه أن يضمن النجاح في ادارة الدولة".الغنوشي، الذي تأتي زيارته الى الولايات المتحدة لتهدئة روع الادارة الامريكية من "خطر الاسلام" في تونس، ليس مثابة محلل ومستشار. هو نفسه أمر رئيس الوزراء من حركته بان يقيم تحالفا مع احزاب يسارية واحزاب علمانية، وهو يجتهد لان يظهر حيادا دينيا في كل ما يتعلق بالسياسة في دولته.من لا يتأثر باقوال التهدئة من جانب الاخوان المسلمين هو المجلس العسكري الاعلى، الذي بتصميم أكبر مما بحساسية، يحاول الان اقامة آليات تصد قدرتهم على صياغة الدستور المصري الجديد. فقد أقام المجلس الى جانبه مجلسا استشاريا يضم ممثلين عن كل الحركات والاحزاب ومن مهماته ترشيح اعضاء لجنة صياغة الدستور الذين سيقترحهم البرلمان. وهكذا لن يتمكن الاخوان اذا ما حظوا بالاغلبية، من تقرير طبيعة لجنة الصياغة التي سيشرف عليها الجيش من مسافة قصيرة.لقد فهم الاخوان فورا النية وقرروا مقاطعة جلسات المجلس الاستشاري. وبزعمهم، هذا مجلس عينه الجيش وليس له أي صلة بالتطورات الديمقراطية في الدولة. فهل يبدأ الان الشرخ العلني بين الجيش والاخوان بعد شهر العسل الذي استمر نحو عشرة اشهر؟ "الجيش يتمتع بالسيطرة في الدولة، توزيع الاوامر، استدعاء الناس، تعيين الحكومات وتشكيل اللجان"، يشرح محلل مصري، رجل يساري، لـ "هآرتس"؛ "ولكن ليس للجيش، مثلما للجمهور تجربة سياسية حقيقية. لقد سبق ان عين ثلاث حكومات، استبدل وزراء، أجل الانتخابات (من ايلول الى تشرين الثاني)، نشر وثيقة مباديء للدستور وعدلها تحت ضغط الجمهور. ولكن حتى الان لم ينجح في أن يثبت بانه قادر على ان يعرض خطة اقتصادية او سياسية. نحو سنة ضاعت هباءاً. كنت أقترح على الجيش ان يرتاح والا يلعب العابا لا يعرفها. الاخوان هم شر، ولكننا سنتدبر امرنا معهم لاننا نعرف ايضا كيف نفعل الشارع. ولكن اذا بدأ الجيش يصبح جزءا من السياسة فاننا ضائعون".