لا تحالفات دائمة، في السياسات السائدة للدول، فالمصالح فقط هي الثابت الوحيد، وتحديدا لدى الدول الكبرى، الاستعمارية منها والصناعية المتقدمة، أما بالنسبة لنا فالثابت هو الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني، وحقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير على ارض وطنه فلسطين، وبناءً على هذا المبدأ الثابت نظمت قيادة الشعب الفلسطيني الوطنية برنامجها ومنهجها السياسي بما يمكنها من تحقيق انجازات وعلاقات واتفاقيات، تصب في خانة المصالح العليا للشعب، والأهداف الوطنية، وفي خضم المواجهة مع المصلحة الرئيسة والأهم للدول الاستعمارية (منظومة الاحتلال الصهيوني الاستعمارية الصهيونية اسرائيل) منذ وعد بلفور سنة 1917 وحتى اليوم.
لا يجوز مطالبة القيادة بانتهاج سياسة قاصرة، أو مرتبطة بمصالح دول وقوى اقليمية، فالسياسة التي لا ترتكز على مبدأ استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، لا يمكن توصيفها سوى أنها "سياسة انتحارية" والشاهد حملة الابادة الدموية الصهيونية الهمجية التي شارفت على المئة يوم حتى الآن منذ 7 تشرين الأول اكتوبر الماضي، فقد أثبت سيادة الرئيس أبو مازن صواب منهجه السياسي العقلاني الواقعي، لارتكازه على ثوابت فلسطينية، خطتها القيادة في وثيقة اعلان الاستقلال، بإجماع وطني غير مسبوق في الدورة الـ18 للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، فهذه الثوابت ما زالت بحرفيتها المنطلقات للعمل السياسي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، يجسدها سيادة الرئيس أبو مازن بصلابة وصراحة ووضوح وحكمة وصبر وعمل دؤوب، وبتحد لأي قائل عن انحراف ولو بمقدار قطر شعرة، ولا بأس في هذا المقام من استذكار إشادة امناء الفصائل الفلسطينية دون استثناء بما فيهم حماس والجهاد، بقوة وصلابة الموقف الوطني العاكس لإرادة الشعب الفلسطيني الذي جسده سيادة الرئيس أبو مازن في مواجهة خطة "بلفور الثاني" الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ونذكر أيضًا أن الشعب الفلسطيني وقيادته يدفعان حتى اللحظة ثمن رفض الخطة، مثل محاولات القفز عن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والحصار المالي وقرصنة أموال الشعب الفلسطيني (المقاصة) ووضع "المظلة المالية" لدولة فلسطين، المقررة في قمم عربية في غياهب الأدراج!!
لتعجيز حكومتها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه ملايين المواطنين في الضفة بما فيها العاصمة المحتلة القدس، وفي قطاع غزة حيث عانى مليونا فلسطيني وأكثر من سياسة حماس وانقلابها الدموي، كسلطة أمر واقع منذ 17 سنة، ويتحملون اليوم نتائج سياسة رؤوسها الانتحارية، فالسياسي العقلاني الحكيم الذي تهمه روح ودماء وقيمة كل إنسان فلسطيني، ومعني بالحفاظ على مقومات صمود في مسار نضال وطني غير محدد بزمن، لا يحتاج لقائمة من مئة ألف مواطن وأكثر ما بين شهيد وجريح ومفقود خلال مئة يوم، ليستدير بواقع 180 درجة، وليعلن الاقتناع ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي، وبمنهج تحقيق الممكن عبر الواقعية السياسية، المنطلقة من مبدأ التمسك بالثوابت الوطنية، فالإقرار بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني، وتعزيز الوحدة الوطنية، والتركيز على ثقافة وطنية، تؤسس لانتماء وولاء بصدق وإخلاص للوطن، والإقرار باحترام التزامات المنظمة واتفاقياتها، والاندماج فعلا في صياغة القرار الوطني المستقل، بعد التحرر من انتماءات لا وطنية، وولاءات خارجية، سيمنح الشعب الفلسطيني قوة بلا حدود للحق الفلسطيني، وتمنح قيادة الشعب الفلسطيني المعترف بها عالميًا، القدرة على المناورة في ميادين السياسة الدولية المعقدة، فالحق ليس شرطًا وحيدًا للانتصار وتحقيق الأهداف الوطنية، وإنما باختيار السبل والوسائل المشروعة لانتزاع ما يمكننا من تثبيت روايتنا الوطنية الفلسطينية في ضمائر العالم، ودفعه للاقتناع بأن استقرار مصالحه، والسلام في المنطقة، وازدهارها ونموها، مرتبط بالسلام الفلسطيني، أي بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، وهذا يتطلب عقولاً تعتمد المعنى الحقيقي للسياسة وهو: علم وفن اصلاح الأمور، للارتكاز عليها لانتهاج سياسية دولية متوازنة ومتكافئة بالمصالح، ولكن ليس على حساب سياسة اخلاقية تنتصر للحق ولكل انسان مظلوم في العالم، فقيادتنا لا تستطيع التجرد، وإغفال ما اصاب شعبنا من سياسة دول استعمارية مجردة من الأخلاق، وتطبيقاتها لمفاهيم الحرية والعدالة، وستناضل لتكون سياسة دولة فلسطين نموذجا للسياسة الدولية الأخلاقية، المستلهمة من افكار الشعوب ومفاهيمها للحرية والسلام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها