أيها النافخون في مفردات الحروب والسلاح والدم تمهلوا، وامنحوا الحقيقة لحظة تعقل، فأم الأطفال المنهكة بالمعاناة والمتعبة من حروبكم، لم تعد تقوى على النفخ على الحطب الرطب، لتوقد نارا، غير ناركم، لتخبز لصغارها الجائعين، "فاللت والعجن" حرفتكم الفاسدة هذه، لا يعنيهم، ولا يغنيهم عن عجين أمهم، المكون من الصبر والصمت والدم والدموع، مع بضع أكيال من طحين، جعل ملحه لصوص الدم وتجار الحروب، وقراصنة الأمل الذين تعرفونهم ويعرفونكم، أغلى من تبر الفضة إن لم يكن أغلى من تبر الذهب، فاذهبوا ايها المنتفخون بشحوم الأوهام، واضربوا موعدا - ولو للحظة - مع ما تبقى من ضمائركم، هذا إن لم تسقط الذرة الأخيرة منها من جيوبكم المخرومة المفتوحة لخواصكم! واحذروا.
فزفرات ونفخات النازحين في غزة، عندما يحصحص الحق أعظم من الزوابع والأعاصير. قفوا وفكروا- ولو للحظة - وانظروا الى صوركم في المرآة، قبل أن تعدلوا هندامكم، واسألوا انفسكم: هل أنتم فعلا أبناء تلك الأرض؟! وأبناء تلك المدينة، وأبناء ذلك المخيم، وهل تعرفون حقا أن الفلسطيني النازح المنكوب في غزة لم يعد يعرف صورة وجهه، فقد طحنت جنازير دبابات جيش الاحتلال كل المرايا، وأنتم تعلمون انكم " بخرطكم " ونعوتكم البالية، قد حرفتم وكسرتم الصورة عن سابق تصميم وترصد في مرايا الضمائر الانسانية، فالعالم اليوم يرى بيوت النازحين المدمرة، ويرى جثث الأطفال والنساء والرجال من كل الأعمار المبعثرة تحت الركام، وعلى الطرقات وشارع "صلاح الدين "، الذي بينكم وبين نبله، مثل ما بين الدجل واليقين! هل سألتم أنفسكم أيها العابثون الماكثون تحت الأضواء، كيف يعيش مئات آلاف النازحين في ليالي الشتاء المظلمة، وليالي ظلم منظومة الصهيونية الدينية الهمجية المتفجرة، نراكم تتمتعون بدفء ممتع، فيما الاطفال النازحون في غزة يموتون بقصف القنابل، أو يقصف البرد والجوع والمرض ربيعهم، وتغتالهم الأوبئة، أما أنتم فترعدون وتبرق ألسنتكم في الفضاء بين يوم ويوم، أما هنا فإن الشهداء قبل الأحياء يكاد يخطف أسماعهم رعد الصواريخ والقنابل الجوفية، ويبدد وميض انفجاراتها والقنابل الضوئية الزمن الفاصل بين الليل والنهار. كثر محترفو الخطاب، ومثلهم اللاعبون في ميادين المصائب والمآسي النكبات والمعاناة، الذين يفطرون ويتعشون بمفردات قاموس السياسة، ويتحلون بأطباق الاستراتيجية من كل الأصناف حتى يتخمون، ثم يتقيؤون كلاما رغويا، ممجوجا وممزوجا بفقاعات صابونهم المفضل، لتسهيل انزلاق الجالسين على الأرائك، المتفرجين على الحرب نحو "مستنقع الأوهام" لكننا نسألهم باسم روح كل شهيد، وباسم كل جريح ومبتور الأطراف، وباسم كل نازح ولاجئ مرتين وثلاث مرات وباسم كل والدة فقدت جنينها في الحاضنات الصناعية، والوالدة التي اسقطت من الخوف، أو تلك التي لم تجد كيل ماء ساخن لتنظيف مولودها الآتي الى عالم (موتX دمار) مولود لو كان قدره بيديه لاختار المجيء في زمان السلام، نسألهم باسم الذي نحت من عمره بيتا، وزينه بأحسن الأمنيات، وفجأة وفي اقل من دقيقة ثانية، صارت الذكريات ركاما فوق احجار محطمة، نسألكم باسم المنكوب الذي يدفع لمهربي المخدرات ! عفوا "الملح والطحين !" مئة ضعف ثمنها حتى تقوى شرايين صغاره على الحياة ! دعكم أيها النافخون ببوق الخطاب والتحليل السياسي والاستراتيجيات من اليوم التالي، ومن كل اهتماماتكم ومشاريعكم الفئوية الخاصة؟!
فالأهم من الحديث عن صنوف الأسلحة في المعارك، وحيثيات الهجوم والكمائن والدفاع والقنص والألغام، اجاباتكم على اسئلة استراتيجية، ماذا فعلتم وماذا ستفعلون، هل قرأتم من قبل، وهل تبصرون النزوح واللجوء، ثم نزوح ولجوء، ثم نزوح الى العراء، وأسئلة لكم أيها المخططون والخبراء الاستراتيجيون !!!: كيف ستتطهر أمي أو شقيقتي البالغة، أو اين تقضي حاجتها ؟! – نعم فكلهن وكلهم اهلي- وكيف ستخرج مع طفلها الى الخلاء بعيدا في ليالي وصقيع " المربعانية " فتقطع الأوحال، قبل ان يقطع البرد نفسها ونفس الغالي عليها، وربما الوحيد الذي بقي من عائلتها فكلهم قضوا ومعظمهم تحلل تحت الركام، تطلبون منها معجزات، وهي التي تمني نفسها بيوم آخر من الحياة بكرامة، ولكن ليس بين سواتر قماشية متهالكة تسمى ظلما خيمة !.
وماذا هيأتم، وماذا ستفعلون إذا اشتد السعال على وليدها الذي غزا الغبار دخان القنابل رئتيه، فلا اسعاف في مخيمات النزوح المتنقلة، فكفوا ألسنتكم ووفروا خطاباتكم وتحليلاتكم وأحاديثكم وتلهفكم عن اليوم التالي، فهذه لا تنفع، ففي وطني متسع للحياة والحرية والكرامة، فلماذا استراتيجية الموت في غزة؟!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها