مازال وزير خارجية الولايات المتحدة، بلينكن يجول في دول الإقليم، حيث زار حتى الآن كل من اليونان وتركيا والأردن وقطر والتقى فيها مع جوزيب بوريل، منسق السياسة والامن في الاتحاد الأوروبي والإمارات والسعودية ووصل إسرائيل أمس وسيختم بزيارة فلسطين اليوم في زيارة خامسة لإسرائيل والمنطقة لترويج بضاعة إدارته الأميركية المشبوهة والمعادية للقضية والاهداف الفلسطينية، وللتغطية على إدامة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، التي تتواصل لليوم ال95، وسقط فيها حتى الآن أكثر من 23 ألف شهيد، وما يزيد 29 ألف جريح، وتدمير مئات الآلاف من الوحدات السكنية والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والمؤسسات الحكومية وأماكن العبادة وتدمير هائل للبنى التحتية.


وعلى القارئ أن يتذكر دومًا معلومة أساسية، ليس كل ما ينشر في وسائل الاعلام من تصريحات ومواقف يعكس الحقيقة، فما يجري في الغرف المغلقة بين ممثلي الدول لا يمت بصلة لما يعلن. وإذا توقف أي إنسان أمام ما يعلنه أركان الإدارة الأميركية ومنهم رئيس الديبلوماسية الأميركية، ودقق فيها جيدًا، فانها تناقض الواقع على الأرض، وما يدور تحت الطاولة وغرف المحادثات بعيد كليًا عن الملفات المطروحة. مثلاً بلينكن كتب أمس الاثنين 8 يناير الحالي على منصة X، أن بلاده ملتزمة ب"تأسيس دولة فلسطين المستقلة"، وادعى في أعقاب لقاءاته مع المسؤولين الذين التقاهم في المؤتمرات الصحفية، أن إدارته تعمل من أجل منع توسيع النزاع الإقليمي، وزيادة المساعدات الإنسانية، والحد من الضحايا المدنيين، والبحث في اليوم التالي للحرب، والعمل من أجل سلام إقليمي دائم، والتقدم في اتجاه دولة فلسطينية.


وكل ما ذكر أعلاه لا يمت للحقيقة بصلة، لأنه لو كان ذلك صحيحًا، لاتخذت واشنطن قرارًا واضحًا وحازمًا لوقف الحرب التي تقودها بلاده على الشعب الفلسطيني فورًا، ولدى إدارته القدرة واوراق القوة الكفيلة بوقفها متى تشاء، وهذا القرار لوحده كفيل بعدم توسيع دائرة الحرب في فلسطين والإقليم، ويمكن للمساعدات الإنسانية أن تدخل لفلسطين عمومًا ومحافظات غزة خصوصًا، وهو ما يسمح للمواطنين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم ومدنهم المدمرة ويرمموا مسيرة حياتهم، ولأوقف هدف التهجير القسري للمواطنين من فلسطين، الذي مازال مطروحا على الطاولة الأميركية الإسرائيلية.


كما أن البيت الأبيض لو كان جادًا في الالتزام ب"تأسيس دولة فلسطين المستقلة" لباشر بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات الشرعية الدولية وتطبيق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. ولما قام بالضغط على بعض الدول العربية للتعاون معه على إقامة روابط قرى جديدة في غزة، ولأوقف الحديث في لقاءاته مع الزعماء العرب وفي الإقليم على إرغام البعض باستقبال اللاجئين الفلسطينيين، ولتوقف عن التلويح باستخدام ورقة الديون على بعض الدول لتنفيذ الورقة الأميركية الإسرائيلية، وكان تركز البحث الحقيقي على الحل السياسي المذكور أنفًا.


لكنه يبطن عكس ما يعلن. ووفق بعض المصادر فإن زيارته الخامسة لإسرائيل تنحصر في،  أولاً إبلاغ حكومة الحرب بنتائج زيارته لدول الإقليم، وما حققه من نتائج بشأن الملفات المشتركة لتصفية القضية الفلسطينية؛ ثانيًا البحث في القوة متعددة الجنسيات التي يعملون على إحضارها للقطاع للإسهام بتهجير الفلسطينيين من وطنهم الأم، من حيث قوامها والدولة المقترحة للمشاركة فيها، وربط إدارتها ومرجعيتها بإسرائيل؛ ثالثًا تجسير التباينات بين إدارته وحكومة نتنياهو، والتأكيد على عمق الروابط الاستراتيجية بين الدولتين؛ رابعًا وضع خطة لمسار حرب الإبادة من حيث الزمن والآليات والكيفية التي تدار فيها؛ خامسًا مطالبة أركان الحكومة الفاشية بالافراج عن أموال المقاصة للايحاء للقيادة الفلسطينية ب"صدق نواياها" تجاهها؛ سادسًا البحث مع إسرائيل في شكل ومضمون روابط القرى الجديدة. وغيرها من الملفات ذات الصلة بحرب الأرض المحروقة.


وعليه لا يجوز الافتراض للحظة الاعتقاد أن بلينكن يحمل خيرًا للشعب العربي الفلسطيني وقيادته، بل يحمل الشر والإبادة وتصفية القضية الوطنية. مع ذلك لا أعتقد أن سيناريوهات واشنطن ستجد طريقها للنور لعوامل مختلفة، أبرزها وعي القيادة الفلسطينية لخلفيات الوزير الأميركي، وصمود الشعب الفلسطيني، ورفضه التهجير القسري، وأفترض ممانعة بعض الدول العربية للتوجهات الصهيو أميركية. لأن الثمن الذي ستدفعه في حال تساوقت مع الرؤية الأميركية سيكون غاليًا جدًا.