شاركت بعيد التوقيع على اتفاق أوسلو في ندوة في مدينة كفار سابا حول آفاق عملية السلام فخاطبني مسن يهودي اسرائيلي من المدينة قائلاً: وافقتم على هذا الاتفاق بعد أن فشلتم برمينا في البحر!.. فأثار كلامه الحاضرين الذي غصت بهم القاعة، بين موافق على رأيه الاستفزازي وبين متحفظ عليه فأجبته بهدوء: ما وجدت في خلال بحثي في تاريخ الصراع، منذ بداية القرن، تصريحا لزعيم فلسطيني أو عربي يدعو فيه الى رمي اليهود في البحر، وعلى الرغم من ذلك أقول لك: بعدما فشلنا برميكم في البحر، كما تقول، وبعد ما فشلتم برمينا في الصحراء توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق المبادئ المعروف باتفاق أوسلو.

حفي لساني وأنا أردد بأن هذه الأقلية العربية الفلسطينية ما زالت تخوض معركة البقاء والصمود في وطنها منذ العام 1948 وأن عقلية الترانسفير ما زالت معششة في رؤوس العديد من الشخصيات والحركات السياسية في إسرائيل مثل كهانا وغولدشتاين، والتي يمثلها في السنوات الأخيرة بن غفير وسموطرتش. وبدا هذا الأمر جليًا بعد السابع من اكتوبر.

تخوض إسرائيل حربا شرسة منذ يوم السبت 7 تتشرين الأول/اكتوبر2023 هدفها المعلن إبادة حركة حماس وجندت لها جيشا عرمرما من فرق المشاة والمدرعات وسلاح الجو وسلاح البحر، مدعوما بحاملتي طائرات أميركيتين، ودعم سياسي غربي واسع، وألقت طائراتها مئات الأطنان من القنابل والصواريخ على قطاع غزة فهدمت ودمرت عشرات آلاف البيوت وقتلت وجرحت عشرات آلاف الفلسطينيين، نصفهم من الأطفال والنساء.

وبدا واضحًا للقاصي والداني أن هذه الحرب ليست "حرب الاستقلال الثانية" كما ادعى بنيامين نتنياهو، وليست حربا على "البيت" وعلى "الوجود" كما روجت آلة الدعاية الاسرائيلية، فلا يعقل أن تهدد حركة مثل حماس مهما كان عدد أفرادها ومهما كانت قوتها العسكرية دولة قوية مثل إسرائيل تملك جيشا هو الأقوى في الشرق الأوسط ذا سلاح طيران متفوق، وأجهزة عصرية، وسلاح بحرية هو الأقوى في المنطقة، وأسلحة عصرية عديدة.

تتقن إسرائيل لعب دور الضحية المهددة بالقضاء عليها من قوى متوحشة منذ حرب ال1948 وحرب الـ1967 وغيرهما من الحروب.

تسعى إسرائيل في هذه الحرب كي يصبح قطاع غزة خاليًا من أهله العرب، بعد ترحيل الغزيين من شمال القطاع إلى جنوبه ثم إلى صحراء سيناء (رمي العرب بالصحراء)، وتسرب مؤخرًا خبر مثير إلى الصحافة العبرية يفيد بأن الوزيرين اليمينيين المتطرفين سموطرتش وبن غفير كانا مشغولين في اجتماعات كابنيت الحرب في الكرياه بالتخطيط لإقامة مستوطنات في قطاع غزة.

وفي هذه الأيام السوداء صرح جييك ساليبين مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن في عدة قنوات أميركية أن عنف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية غير مقبول وطالب بمحاكمتهم وطالب إسرائيل أن تميز بين حماس وبين المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، كما أن الرئيس الأميركي الصهيوني جو بايدن حذر حكومة إسرائيل من اعتداءات المستوطنين الوحشية على الفلاحين الفلسطينيين وطردهم من حقولهم وكرومهم وقراهم كما كشفت له الأقمار الصناعية.

لا أحد يحمي الفلاحين العرب في المنطقة "سي"، لا جيش الاحتلال يحميهم ولا مجلس الأمن ولا هيئة الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية، وأما المستوطنون وبحماية جيش الاحتلال فيفعلون ما يشاؤون لطردهم من أراضيهم.

حذار، حذار، مما يحدث الآن ومما قد يحدث!!