الانتحار هو الوسيلة التي يلجأ إليها شبان في مقتبل العمر لإنهاء حياتهم تمرداً على الواقع المرير والفقر والبطالة وسطوة (سلطة الأمر الواقع حماس) في قطاع غزة.
الشاب يوسف النوري (34 عاماً) من سكان شمال غرب مدينة غزة، وُجد مقتولاً شنقاً داخل منزله وسط حالة من الحزن عمت مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كان يعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية صعبة، وتعرض لعمليات نصب واحتيال من مؤسسات وشركات في القطاع، وديون مالية تراكمت عليه، ما دفعه إلى "الانتحار".
ازدياد حالات الانتحار في صفوف الشبان سببه الظلم والقهر، اللذان يعيشون فيهما تحت حكم سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، التي لا تحسب حساباً لقمع الشبان لمجرد تعبريهم عن رأيهم في الحال المزرية التي وصل إليها أهالي القطاع، وأكبر دليل على ذلك قمع مسيرات عفوية غاضبة رفعت شعار "بدنا نعيش"، احتجاجاً على سوء الأوضاع في غزة، خصوصاً انعدام الكهرباء التي تقطع لنحو 20 ساعة متواصلة في ضوء حرارة الصيف المرتفعة والرطوبة العالية.
ونشر يحيى النوري شقيق الشاب يوسف: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا". وقال يحيى: "إلى رحمة الله ورضوانه، أخي يوسف شهيد الظلم..."، مضيفاً أن العائلة لن تقبل التعازي إلا بعد إظهار الحق ومحاسبة "الخونة".
أما الشاب علم الدين صديق يوسف فيقول: "يودعنا شاب ثوري وناشط شبابي، الشاب يوسف النوري".
من جهته، يقول المختص والخبير في الشأن الاقتصادي مازن العجلة: "في صفوف الشباب يوجد أعلى نسبة بطالة بمعدل 74%، ونسبة البطالة العامة في قطاع غزة وفقاً لجهاز الإحصاء المركزي 46%".
وأشار إلى تقرير دولي صدر منذ نحو شهر تحدث عن ارتفاع نسبة التدهور النفسي والمصابين بحالات نفسية والمرضى النفسيين، "وهذا شيء تراكمي، لأنه منذ سنوات، وعلى مدار فترة الانقسام منذ 2007 حتى الآن، لا توجد حلول لكل المشاكل الموجودة، خاصة الاجتماعية والمشاكل التي تواجه الشباب، وعلى رأسها البطالة".
وأوضح العجلة أن 150 ألف خريج ليس لديهم فرص عمل، مبيناً أن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 74% ونسبة البطالة العامة 46%، "ولكن إذا أضفنا إليها المحبطين والعاملين جزئياً وغيرها من المعايير تصل إلى أكثر من 55%، وتناظرها نسبة الفقر بحوالي 60%".
وتابع: "لدينا 80% ممن يعملون ولا يتقاضَون الحد الأدنى من الأجور، بناءً على إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء، ناهيك عن المشكلات المجتمعية مع هؤلاء الشباب والعلاقة مع الأهل والجيران وظروف الحياة العامة مع انقطاع المياه والكهرباء، وهذه كلها لا توفر فرصة مناسبة ولا الحد الأدنى من المعيشة المريحة".
وتابع العجلة أن "هذه المشكلات مجتمعة تؤدي إلى وصول الشباب إلى حالة من اليأس، وتدفع بعضهم إلى حالة الانتحار، وتؤدي إلى حالات من الاستدانة الكبيرة، وهموم الدين وتشابكه وتعقد القضايا الخاصة بالشباب تساعد في الوصول إلى حالة اليأس المؤدية إلى حالة الانتحار".
وشدد العجلة على أن كل مشكلة في قطاع غزة ولّدت مشكلات أخرى، وهذه هي الحالة العامة في القطاع، ولا يوجد أي مشكلة حلتها سلطة الأمر الواقع (حماس) في غزة من بداية وجودها (سيطرتها على قطاع غزة عسكرياً) حتى الآن.
مؤسسات حقوقية ناشطة في قطاع غزة، قالت إنها تتابع بقلق بالغ قيام الشاب يوسف النوري من سكان مدينة غزة، بشنق نفسه في منزله، ما أدى إلى وفاته.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في بيان له، إنه تابع باهتمام مجريات الأحداث التي رافقت المسيرات السلمية التي خرجت أول أمس في محافظات قطاع غزة كافة، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المتدهورة في ضوء حالة الانقسام المستمر منذ 16 عاماَ، خاصة أزمة الكهرباء والبطالة والحصار.
وأضاف المركز: "مع أن هذه المسيرات اتسمت في مجملها بالطابع السلمي إلى مدى بعيد، وجرت في هدوء، إذ عبر المشاركون عن مطالبهم وأسمعوا صوتهم، إلا أن المركز قد وثق عدداً من الحوادث، إذ قام أفراد من (حماس) وعناصر الأمن بتفريق المشاركين والاعتداء عليهم بالضرب والاعتقال.
كما حدثت أعمال عنف، أدت إلى إصابات في صفوف المواطنين خلال بعض المسيرات التي قوبلت بمسيرة مضادة من أنصار حركة حماس.
وخرجت مساء الأحد الماضي، مسيرات سلمية في محافظات قطاع غزة كافة، بناءً على دعوات ناشطين من حراك "بدنا نعيش" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، خاصة في ضوء اشتداد أزمة انقطاع الكهرباء، شارك فيها آلاف المواطنين، خاصة من الشباب.
وأكد المركز، أن حرية التعبير والتجمع السلمي والمشاركة السياسية حقوق مضمونة في القانون الأساسي الفلسطيني، بموجب المادتين (19،26)، ولا يجوز مصادرتها تحت أية ذريعة.
ويقول الناشط محمد سامي: "من امبارح يسألني الكثير شو رأيك فالي صار بخصوص المظاهرات التي خرجت بغزة. وأنا أقولها بصراحة من خرج أمس للشارع ليس خائن أو مشبوه ومن لم يخرج حقه وهذا قراره. تخوين الناس وضربها والاعتداء عليها سياسة مرفوضة ومعيبة وجريمة وبدلًا من إدارة الظهر لحقوق الناس ومطالبهم الأصح والأفضل إسنادهم وتوفير أقل مقومات الحياة الكريمة للمطحونيين، الوقوف موقف الحياد في قضايا وحقوق الغلابة خيانة وأنا مع الناس ظالمة أو مظلومة".
ووفقاً لمؤسسات حقوقية وقانونية ومختصة، فإن عشرات الشباب أُزهقت أرواحهم في قطاع غزة انتحاراً بفعل تردي أوضاعهم المعيشية وبسبب سياسة سلطة الأمر الواقع في القطاع، التي أدت إلى قتل آخرين بينهم المواطن شادي عطية أبو قوطة (48 عاماً) في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة الخميس الماضي، بعد أن هدمت جرافة تابعة لبلدية خان يونس المعينة من حماس جدار سور منزله عليه بحماية من عناصر حماس المسلحين.
ولقيت حادثة مقتل المواطن أبو قوطة حالة من الغضب والاستنكار الشديدين في غزة، وسط دعوات لمحاكمة القتلة والمجرمين المستهترين بأرواح أبناء شعبنا في القطاع.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: "إنه يدين بشدة مقتل المواطن أبو قوطة، مطالباً باتخاذ إجراءات صارمة تكفل وتضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث التي تتحمل مسؤوليتها الجهات الحكومية (حماس) في قطاع غزة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها