رامي سمارة

تعكف سلطة الأراضي الفلسطينية على إنجاز المرحلتين الأولى والثانية من مشروع "تحديث المرجع الجيوديسي"، الذي بدأ العمل به منذ مطلع العام الجاري 2023.

والجيوديسيا (Geodesy) هي مصطلح مكون من كلمتين باللاتينية،"Geo" وتعني الأرض، و"Desy" ومعناها قياس، ويطلق على علم قياس الأرض.

ويستدل من المراجع العلمية أن الجيوديسيا الهندسية تختص بتحديد شكل ومساحة الأرض مع مراعاة كرويتها، وعمل الربط اللازم بين الكتل الأرضية التي تفصل بينها مساحات شاسعة، وتعيين إحداثيات النقاط وانحرافات الخطوط بينها.

وتنبع أهمية المشروع من مرور مئة عام على الشبكة الجيوديسية الموجودة في فلسطين دون أي تحديث، والتي تعود إلى عام 1923، وأقيمت زمن "الانتداب البريطاني".

وفضلا عن الطرق اليدوية التي أقيمت بها الشبكة القديمة، فإنها تعاني من اختفاء الكثير من علاماتها في الأراضي الفلسطينية، لأسباب عديدة، منها اعتقاد البعض بوجود آثار تحت تلك العلامات التي تعود إلى العام 1923، كما يقول منسق مشروع الشبكة الجيوديسية الوطنية في سلطة الأراضي محمد مراحيل.

ويشير مراحيل إلى وجود عدة شركات محلية فلسطينية تزود المسّاحين بشبكات خاصة بها، إلا أن القيم والمواقع تختلف بين شركة وأخرى، ما يؤدي إلى فروقات في نتائج الأعمال المسحية للموقع الواحد، نظراً لعدم وجود مرجعية وطنية موحدِة.

وبإنجاز المرحلتين الأولى والثانية من المشروع بحلول 31 من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، سيصبح لدى دولة فلسطين شبكة جيوديسية مرجعية لكل العاملين في هذا المجال، وهي عبارة عن شبكة خطوط وهمية، تعتمد على نقاط محددة بالاستعانة بالأقمار الصناعية، بدأت عملية تثبيتها في مناطق مختلفة من الضفة، على عدة مراحل.

وحسب مراحيل، فإن الشبكة تأتي بعدة درجات، وتم إنجاز الدرجة الأولى وهي تثبيت 9 نقاط رئيسية في كافة مناطق الضفة الغربية، أما الدرجة الثانية الجاري العمل عليها فستكون مؤلفة من 90 نقطة، وبعدها الدرجة الثالثة بـ 220 نقطة، والتوصيل بين هذه العلامات على الخريطة ينتج عنه شبكة بنظام المثلثات، وهو أقوى شكل هندسي يمكن أن يحسب قيم موقع معين وبدقة.

ويتابع: "الشبكة الجديدة ستوحد نظام الإحداثيات في فلسطين، وجميع الأعمال المساحية، ابتداء من المشاريع الصغيرة كمسح قطعة أرض وتعيين حدودها، إلى المشاريع الكبرى، مثل شق الطرق بين المحافظات، وستربط فلسطين بالنظام المتبع عالميا.

وأضاف أن للشبكة الجيوديسية الجديدة الأثر الإيجابي على المشاريع الكبيرة، كالبنية التحتية والطرق لأن عمليات المساحة على مستوى المسافات الطويلة تتأثر بعامل كروية الأرض، واختلاف القيم في حال استخدام أكثر من أساس جيوديسي على مسافة طويلة، قد يؤدي إلى اختلاف في القراءات.

وضرب مثالا على ذلك، بشق طريق بمسافات طويلة، في حال تنفيذه عبر مقاطع تتولى كل شركة تنفيذ مقطع معين ستختلف نقاط الالتقاء بينهم بناءً على القراءات المبنية على نظام المساحة المعتمد لديها، وعليه سينتج فروقا في مستوى ارتفاع الطريق بعشرات السنتيمترات ما يؤدي إلى الخلل في مناسيب الطرق الهندسية وهذا ما يعالجه وجود شبكة واحدة معتمدة وطنيا.

وتطرق المهندس محمد مراحيل، إلى الأثر على مشروع تسوية الأراضي، حيث يعاني المشروع من مشاكل تداخل الحدود بين القطع، بحيث تكون الأطراف متفقة على وجود علامة معينة بين قطعتي أرض، لكن مسّاح كل جهة يمكن أن يعطي قيمة مختلفة ووجود فروقات في المساحة والحدود، ودور الشبكة الوطنية توحيد تلك القيم بين جميع الأطراف، وحل الخلافات.

وأضاف: "حاليا لا يمكن لأي جهة أن تعطي حدودا دقيقة لمحافظة أو مدينة أو حتى قرية، لكن سيكون لدينا الإمكانية لإعطاء حدود دقيقة، وتثبيتها بشكل واضح، بعد إنجاز المشروع، واعتماد شبكة كأساس للجميع".

وستعمل سلطة الأراضي على زرع علامات أرضية تحمل إحداثيات واسم الشبكة الجيوديسية الفلسطينية، لتكون مرجعية لأي معاملة أو عملية مسح مستقبلية.

وطالب مراحيل المواطنين بالحفاظ على تلك العلامات وعدم إزالتها، لما لها من آثار إيجابية على المواطن، علما بأن الشبكة ستكون متاحة لدى الجهات المختصة إلكترونيا وفق الإحداثيات التي سيتم اعتمادها.

ومن الجدير ذكره أن موظفي سلطة الأراضي هم من يعملون على تنفيذ هذا المشروع الوطني.

ونوّه المهندس محمد مراحيل إلى أهمية الاستمرار بعد انتهاء المشروع بمرحلته الحالية.

ونتيجة لتحويل الشبكة القديمة التي تعود إلى مئة عام إلى شبكة جديدة، فقد ينشأ عن ذلك بعض الإشكاليات الناجمة عن عدم تطابق القراءات نتيجة أخطاء في أعمال المساحة السابقة المبنية على شبكات الشركات الخاصة.

وبين مراحيل أن سلطة الأراضي ستقوم بتقديم نموذج مقترح من أجل تصحيح الأخطاء آنفة الذكر، بناء على الأساس المعتمد وطنياً والمتمثل بالشبكة الجيوديسية الجديدة.