رامي سمارة

أكثر من ثلاثة أسابيع والحصار متواصل بوتيرة تختلف بين يوم وآخر على قرية المغير شمال شرق رام الله، حاجز عسكري شـبه دائم عند مدخلها الشـرقي، وآخر عند مدخلها الغـربي يُفتـح ويُغلق حسب مزاج جنود الاحتلال.

ارتبط الحصار بمواجهات ميدانية بين الأهالي من ناحية، والمستوطنين وقوات الاحتلال من ناحية أخرى، كعقاب جماعي، لكنه أيضا جزء من تمرير سياسات السيطرة على مساحات واسعة من أراضي القرية تقع شرق الشارع الاستيطاني المسمى "شارع ألون"، لإقامة مزيد من البؤر الاستيطانية.

رئيس مجلس قروي المغير أمين أبو عليا يقول، إن سلطات الاحتلال تلجأ إلى خلق حالة مستمرة تهدف إلى إشغال أهالي المغير بالهم اليومي المتعلق بالحواجز والتضييقات، وإبعاد تركيزهم عن القضية الأبرز، وهي محاولات السيطرة على الأرض.

"يسعى الاحتلال إلى جعل همّ أهالي قرية المغير إزالة الحواجز العسكرية عن مداخلها، لكن المشكلة الأساس مع الاحتلال هي الصراع على الأرض، فإغلاق مداخل القرية على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية هدفه تشتيت الأنظار عن القضية الأصل، نحن ندرك ذلك، وهم حاولوا التواصل مع المجلس القروي أكثر من مرة، رفضنا وسنرفض الحديث معهم عن مسألة الحاجز، لأنهم يضغطون ويحاولون مساومتنا على رفع الحواجز مقابل قبولنا، بوجود المستوطنين على أرضنا دون احتجاجات، وهذا لن يحدث أبدا". يضيف أبو عليا.

وتتعمد قوات الاحتلال في كثير من الأحيان التضييق على الأهالي خلال أوقات ذروة استخدام مدخل القرية الغربي المؤدي باتجاه رام الله، خاصة أوقات الخروج إلى العمل أو العودة منه، لزيادة الضغط على الأهالي، وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع.

أما مدخل القرية الشرقي، فيبقيه الاحتلال مغلقا معظم الوقت منذ الأسابيع الثلاثة الماضية، لقطع التواصل مع أراضي المغير الموجودة شرق شارع "ألون" الاستيطاني، حيث تقع أكثر من 70% من أراضي القرية بحسب أبو عليا، وتلك الأراضي مطلة على الأغوار الفلسطينية المستهدفة بما عُرفت بخطة ضم الأغوار، وتعتبر امتدادا لها، وفيها عمليات إقامة البؤر الاستيطانية الرعوية.

ويضيف أبو عليا أن القرية تعرضت أكثر من مرة، لتحريض المستوطنين وأعضاء كنيست الاحتلال الممنهج، فضلا عن مطالبات بترحيل أهل القرية واقتحامها، وهو ما شجع المستوطنين على شن الاعتداءات التي حصلت أكثر من مرة في الأشهر القليلة الماضية.

يرافق ذلك كما يؤكد أبو عليا تهديد مباشر من مخابرات الاحتلال للشبان عبر رسائل نصية واتصالات هاتفية. "ينتهج المستوطنون أسلوب الاعتداءات حد إراقة الدماء، وإحراق المركبات، ومهاجمة المزارعين؛ كما حصل الأسبوع الماضي، في تكامل للأدوار مع جيش الاحتلال".

تحكم جغرافية القرية وأهمية موقعها هذه الاعتداءات، لتنفيذ مخطط قديم للسيطرة على الأرض، فكما يؤكد أبو عليا، يدفع الأهالي ثمن موقع القرية، حيث إنها على حافة منطقة الأغوار، التي يتم تكريس تنفيذ خطة ضمها عمليا رغم الإعلان عن وقفه رسميا، من خلال السلب البطيء للأراضي، وتبدو المغير بالنسبة إلى الاحتلال كثغرة أمام هذا المخطط.

مدير عام العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة يوافق ما ذهب إليه أبو عليا، ويقول: "من الواضح أن هناك مخططا إسرائيليا، استند إليه الاحتلال في إعلانه عن مخطط الضم، وهو السيطرة على منطقة شرق رام الله، التي تسمى شفا الغور، والتي يسميها الاحتلال؛ شرقي شارع "ألون"، بحيث بدأ الحديث عن السيطرة الكاملة على الأغوار وسلسلة الجبال شرقي الضفة في عامي 1968 و1969، لكنه لم ينجح، وفي الفترة الأخيرة نلاحظ أن هذا المخطط وصل إلى مراحل متقدمة".

ويؤكد أبو رحمة أن التنفيذ يتم من خلال البؤر الاستيطانية في هذه المناطق، بالاستعانة بمليشيات المستوطنين، كـ"فتية التلال" و"عصابات تدفيع الثمن"، التي ساهم في تأسيسها المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلائيل سموتريتش، اللذين أصبحا من أصحاب القرار في حكومة الاحتلال، وهما مضطلعان بمهام ومسؤوليات تتيح لهما تقديم تسهيلات للمستوطنين، من مؤسسات رسمية مثل الإدارة المدنية ووزارتي الجيش والمالية، التي تشترك في إعطاء الضوء الأخضر لهذه العصابات لإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية والسيطرة عليها.

ويذهب الاحتلال إلى هذا الأسلوب بحسب أبو رحمة، لأنه تصعب عليه السيطرة على الأراضي هناك بإجراءات "قضائية"، كون الأراضي مسجلة بأسماء أصحابها وبأوراق رسمية "طابو"، فيتم استخدام العربدة والزعرنة والبلطجة وقوة السلاح، وتكرار مشاهد الإرهاب التي انتهجتها العصابات الصهيونية حين احتلت فلسطين عام 1948.

ويمتد المشهد إلى أراضي قرى كفر مالك، ودير دبوان، والطيبة شرق رام الله، عبر بؤر رعوية لا تسيطر فقط على الأرض المقامة عليها، بل على مئات آلاف الدونمات، عبر منع رعاة المواشي من الوصول إليها.

يؤكد أبو رحمة أن المنفذين عبارة عن مليشيات منظمة بقيادة تقوم بالتنسيق مع بعضها، وتعمل على الحد من المراعي للتجمعات البدوية في تلك المنطقة، والاعتداء على الأراضي الزراعية، وحرق المزروعات، وتقطيع الأشجار، وإلقاء الحجارة، وتهديد حياة المواطنين، والسيطرة على آبار المياه، وسرقة الأغنام، وغيرها من الأعمال الإرهابية.

ويمتد التنفيذ في المنطقة بين ترمسعيا والمغير، ومنطقة عين سامية، إضافة إلى جالود وقريوت في محافظة نابلس، ومناطق الأغوار الشمالية، ضمن خطة لتفريغ هذه المساحات الشاسعة، التي تقدر بقرابة 60% من الضفة الغربية، وقتل أي حلم لإقامة الدولة الفلسطينية.

ويضاف إلى ذلك هدف آخر للبؤر الاستيطانية، وهو العمل على خلق تواصل بين المستوطنات من جهة، وقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني من جهة أخرى بين القرى وأراضيها، أو بين قرية وأخرى، أو بين القرى والمدن.

وتهدف المخططات الاستيطانية حسب أبو رحمة إلى إقامة شريط استيطاني يمتد من شمال الضفة الغربية وحتى منطقة مسافر يطا جنوب الخليل، للسيطرة على سلسلة جبال الضفة الغربية من الناحية الشرقية، بعد السيطرة على المنطقة الغربية عبر جدار الفصل العنصري.

 

المصدر: وكالة أنباء وفا