العلاقات بين إسرائيل وغزة لا تحكمها نفس العلاقات التي تحكم الدول، والمفارقة الثانية تحتلف عن المعايير والمحددات التي تحكم إسرائيل بالسلطة الفلسطينية وهذه هي المفارقة الكبرى، كيف لغزة وهى جزء من السلطة الفلسطينية الكلية لا تخضع لنفس المعايير.
ومن أبرز هذه المعايير أن العلاقات بين إسرائيل والسلطة تحكمها إتفاقات أوسلو والإتفاق الإقتصادى والتنسسيق الأمني والمحددات الجيوسياسية والسكانية المتداخلة و تكامل ووحدانية الأرض، إما بالنسبة لغزة ومن وجهة نظر حركة حماس الحاكمة والمسيطرة على كل غزه فلا يحكمها إتفاق مكتوب، وإنما هدنة مؤقته تم خرقها في خمسة حروب وفى أكثر من مواجهة عسكرية أقل من مستوى الحرب. حماس تتمسك بخيار المقاومة المسلحة ولم تحدد هدفًا سياسيًا قاطعًا في علاقاتها، وعلى الرغم من الحروب والعدوان المستمر فلا يمكن القول أن كل الأبواب مغلقة بين الطرفين،فبحكم العديد من المحددات كما سنرى هناك قنوات للإتصال بطرف ثالث، فكيف يمكن للأموال التي تقدمها قطر تدخل، وكيف يمكن إدارة المعابر، وكيف بالنسبة لآلآف العمل الذين يدخلون إسرائيل للعمل ، كل هذه القضايا تحتاج إلى آلية للحوار والتنسيق.وفى هذا السياق توجد مفاهيم خاطئه تسود العلاقة، والحسابات تحكمها إعتبارات أمنية وإقتصادية وسياسية .تدرك وتتفهم إسرائيل ماذا تعنى غزة في سياساتها وخياراتها هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في مساحتها والتي لا تزيد عن 340 كيلو متر مربع والكبيرة في أهميتها السياسية والإقتصادية والسكانية والتي يسكنها اليوم اكثر من مليونيين ونصف نسمه قابلين للزيادة بشكل يفوق قدرات القطاع وقدرات حماس.وهذا العدد يفوق الخمسة مليون نسمة من المنظور الإستهلاكى، وغزة منطقة مغلقة ومحصورة وتتحكم إسرائيل في كل منافذها البرية والبحرية والجوية ، وتقع في قلب المنطقة ألأمنية الأولى لإسرائيل، ومما يزيد من أهمية غزة إسرائيليًا وإقليميًا وحتى دوليا انها باتت تشكل قاعدة للمقاومة الفلسطينية وخصوصًا حركة حماس التي تمارس دورًا سياسيًا وتتحكم في الكثير من مفاتيح القضية السياسية وتتطلع للعب دور القوة البديلة فلسطينيًا، ولذلك تسعى وعينها على الضفة الغربية بتفعيل لخلاياها النائمة ودعم لجماعة العرين ألأسود وغيرها وترى ان إنهيار السلطة قد يكون فرصة للعب دورها السياسى الكامل.
هذا المنظور يعطى غزة أهمية أكبر في الحسابات الإسرائيلية، ومن المنظور الأمنى أو عقدة ثيوسيديدس فإن إسرائيل وبكل المعايير لن تسمح لحركة حماس ومعها قوى المقاومة الأخرى ان تشكل تهديدا مباشرا لأمنها هذا إذا عرفنا أن حماس وقوى المقاومة ألأخرى كما اشرنا تقع في قلب أمن إسرائيل وقادرة بما تملكه من صواريخ بعيدة المدى ان تحول المعركة إلى قلب إسرائيل وهذا أحد أهم التهديدات الإستراتيجية لإسرائيل، فكما هو معلوم في عقيدة ألأمن الإسرائيلية ومرتكزاتها ان تعمل إسرائيل على إبعاد إى حرب وتهديد عن قلبها .هذا المفهوم قد تغير مع المقاومة كما رأينا ف الحرب الأخيرة مع الجهاد وقبلها الحروب الأربعة، ورغم خسارة حركة الجهاد إلا كانت قادره على إطلاق صواريخها لتصل تل أبيب ومشارف القدس، هذا السيناريو سيكون أكثر رخطورة ورعبًا وتدميرًا مع حركة حماس التى تملك قدرات عسكرية أقوى وأكبر ولها تواجد اكبر في لبنان. هذا أحد المعايير التي قلبت معادلة من يحكم غزة إسرائيل أم حماس.
فالعلاقة لا تكون بالمنظور التقليدي بمعنى أن إسرائيل قادرة على مسح غزه وتدميرها بالكامل، وبالمقابل حماس قادرة أن تنقل المعركة لقلب إسرائيل وتحدث التدمير نفسه. وتبقى العلاقات محكومة بما يريده كل طرف، إسرائيل أهدافها: سياسية تعميق حالة الإنقسام وتحولها لحالة راسخة من الإنفصال السياسى للحيلولة دون تحقيق حل الدولتين.
أمنيًا بتطبيق معادلة الأمن مقابل الأمن او الهدوؤ مقابل الهدوء. إسرائيل تريد حماس قوية لدرجة أن تكون قادرة معها على الحفاظ على أمن الحدود وقادرة على بسط سيطرتها وفرض قرارها على بقية فصائل المقاومة كما رأينا من خلال الغرفة المشتركة كآلية للتحكم في القرار.
وإسرائيل لا تريد أن تعود لإحتلال غزه ولا تريد للسلطة أن تعود لحكم غزة، وإقتصاديًا المردودات والحجم التجارى الكبير الذى يعود على إسرائيل بعائدات مالية كبيرة، بالمقابل حماس تريد ان تحافظ على حكمها في غزه الذى قد يشكل نواة مستقبلية لحركة الأخوان، ورفع الحصار ولو جزئيا بتفعيل الحوافز الاقتصادية بزيادة عدد العمال العاملين داخل إسرائيل مما له من مردود مالى وتخفيف حدة الإحتقان الداخلى وتسهيل فتح المعابر، والحفاظ على سيناريو الوضع الراهن الذى يعفى الحركة من أى إلتزامات سياسية في الوقت الراهن، والدخول في حرب شاملة تفقدها كل إنجازاتها. ولا يمكن تجاهل ان مقاربة حماس لعلاقاتها مع إسرائيل محكومة بدورها السياسى وبدور التحولات التي تشهدها المنطقة، ويبقى أن معيار الحكم هو الضابط في في العلاقة بين إسرائيل وغزه مما قد يدفع مستقبلا لمقاربة التسوية السياسية الأقرب الأن لحماس وتتوافق مع تطلعاتها لدور سياسى بديل ويتوافق مع برغماتية ومرونة حماس ورأينا ذلك في ضبط إيقاع الحرب الأخيرة على غزة وعدم مشاركتها بشكل مباشر تصديقا لهذا التوجه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها