مثلت الهجرة اليهودية وما زالت إكسير الحياة للحركة الصهيونية، لإقامة إسرائيل، ومن ثم للحفاظ على وجودها، وضمان استمرارها ونموها، وتعزيز قوتها.

  وإذا كان الواقع العربي الذي أرهقته الخلافات واستنزفته حرب الخليج آنذاك وحتى الآن قد أخفق في وقف تدفق موجات المهاجرين اليهود، فان الغرب الصناعي قد أبدى تعاطفا عميقا مع اطروحات إسرائيل، التي حاولت إبراز الهجرة اليهودية كعملية إنسانية صرفة، ترمي لجمع الشمل، وتخليص اليهود في الدول الاستبدادية والفقيرة، حسب القاموس الإسرائيلي من التسلط والقمع والجوع.. وقد أسهمت العديد من الدول الغربية في تمويل عمليات ومشاريع استيعاب المهاجرين اليهود الجدد، مع محاولة إرضاء العرب بربط منح المساعدات المالية لإسرائيل بعدم توظيف المهاجرين بالأراضي المحتلة.. غير أن العالم أجمع كان يعلم بأن الهجرة اليهودية لها أهدافا توسعية واستيطانية لم تحاول مصادر التقرير في إسرائيل حتى التغطية عليها عندما كانت الظروف السياسية الذاتية الداخلية والموضوعية الخارجية، تستوجب الكشف عن حقيقة البرامج وماهية المخططات.. فإسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل آنذاك لم يتورع في غمرة التحركات السليمة التي بدأت في المنطقة بعد حرب الخليج عن الإعلان (أيار 1991م) بــ "أن حسم الصراع مع العرب لصالح إسرائيل، لن يتم إلا ديمغرافيا على المدى الطويل" وشروط هذا الحسم متوفرة في هذه المرحلة على حد قوله "حيث تقع الأرض تحت السيادة الإسرائيلية، ويتدفق المهاجرون اليهود بكثافة، وتملك إسرائيل عناصر القوة اللازمة لإنجاز الحلم اليهودي بقيام إسرائيل الكبرى، وإسرائيل الكبرى تتطلب برأي شامير هجرة يهودية كبرى لتغيير الواقع الديمغرافي في الأراضي المحتلة... وعملية التغيير تستلزم زرع المستوطنات التي أنيطت بها إلى جانب مهمة استيعاب المهاجرين، وظيفة أمنية مباشرة تتلخص بإقامة حزام امني محكم حول المدن الفلسطينية ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وتأمين الربط الجغرافي بين المستعمرات السكنية اليهودية والساحل الإسرائيلي لتسهيل عملية دمج الأراضي التي جرى احتلاله في عام 1967م، بتلك التي سبق احتلالها في عام 1948م.
 
  وعلى ضوء ذلك، نرى بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمل جاهدة من أجل استقدام أكبر عدد ممكن من اليهود بهدف نشرهم وتوزيعهم في المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لإعاقة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها.. نزولا عند المقولة الإسرائيلية القائلة:  أرض بلا شعب، شعب بلا أرض.. ومن هنا على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية في منع تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين لمنع تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها لصالح المستعمرين القادمين من بلاد أخرى واتخاذ الإجراءات الكفيلة من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يمنع بموجبه السلطات الإسرائيلية والدول والمنظمات التي تتعاون معها من استقدام المهاجرين اليهود إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.