هناك يهود إسرائيليون تلفعوا بثوب الصهيونية زمنًا من الوقت، إلى أن استيقظوا على حلم مزعج ومرعب حينما اكتشفوا ماهية الصهيونية كحركة رجعية عنصرية، وشاهدوا بأم أعينهم دولة الدم والموت والجريمة المنظمة التي أسسها حكام الغرب الرأسمالي لخدمة أهدافهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الكولونيالية في الوطن العربي عمومًا وفلسطين خصوصًا، وتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وافتضح أمر الدولة الإسرائيلية اللقيطة كخندق أمامي للامبريالية الغربية بكل مكوناتها وعلى رأسها الإمبريالية الأميركية، فراجعوا انفسهم، وخلعوا ثوبهم الصهيوني، وانحازوا للحق والعدالة، وجاهروا بمواقفهم الشجاعة على الملأ، وأعلنوا دعمهم للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهناك أسماء وقامات فكرية وسياسية وفنية ثقافية حملت الجنسية الإسرائيلية، منهم الآن باببيه، وشلومو ساند، واري شابيط، وجدعون ليفي، والمحامية الراحلة فليتسيا لانغر، ويوسي كلاين، ويونثان غيفن، وهناك شخصيات يهودية فكرية وسياسية واكاديمية عالمية في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية والشرقية لم تقبل من حيث المبدأ حمل الجنسية الإسرائيلية، ولم تتورط في الإنضواء تحت راية الحرية الصهيونية، ومنهم ناعوم تشومسكي، نورمان فينكلشتاين، سارة سيلفرمان، سيث روجين، جون ستيورات، والبرت انشتاين وناتالي بورتمان وغيرهم الكثير . 

هذه النخبة من اليهود يستحقون التقدير وتسليط الضوء على تجاربهم ومواقفهم المتميزة والمسؤولة أحياءًا أو أمواتًا. لأن القيمة الفكرية السياسية والثقافية القيمية التي عكسوها في نتاجاتهم أسهمت في فضح الوجه الحقيقي لإسرائيل اللقيطة الكارثية على الفلسطينيين واتباع الديانة اليهودية في مختلف بقاع الأرض. ولم أتوقف أمام جماعات دينية او وضعية يهودية معادية للصهيونية كحركة "ناطوري كارتا" و"الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية" التي تأسست عام 2008 بجهود سارة كريشنار، لأن الهدف تأبين شخصية هامة وفاعلة في المجتمع الإسرائيلي دعمت الحقوق الفلسطينية، وبهدف إبراز أسماء وعناوين عديدة تبنت الموقف المنسجم مع روح العدالة الإنسانية، ودعمت الحقوق الفلسطينية، ومازال الأحياء يدعمون فلسطين وقضيتها وحريتها. 

 الشخصية الإسرائيلية التي حرصت على تأبينها، هو الراحل اليهودي يونثان غيفن، الشاعر والملحن الموسيقي، والكاتب القصصي للأطفال والإعلامي، الذي توفاه الأجل قبل أيام عشر، تحديدًا في ال19 من ابريل الحالي (2023) عن عمر ناهز ال76 عاما. الذي تجاهل رحيله مختلف النخب السياسية من الموالاة والمعارضة الصهيونية. لانهم يعتبرونه يساريًا متطرفًا، ومعاديًا للصهيونية، ومؤيدًا شجاعًا للقضية الفلسطينية، وكونه شبه الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطيني بالنازية. 

وهو من دافع عن الفتاة الفلسطينية عهد التميمي في عام 2017 واعتبرها نموذجًا لا يقل أهمية عن "جان دارك" الفرنسية، أو الفتاة اليهودية "آنا فرانك"، ودافع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية باقتدار، ولم يخش العداء الذي ناصبه إياه الصهاينة من كل المستويات وخاصة غلاة التطرف والفاشية، كما لم يفكر للحظة فيما سيكتب عنه بعد موته، لانه لم يقف كثيرًا أمام هذه اللحظة، ولم يعطها الأهمية، إدراكًا منه أن تأبينه من قتلة إسرائيل يؤذيه في مماته، ويسيء لتاريخه وسجله ومواقفه ولأشعاره الإنسانية ولموسيقاه لوكتاباته المختلفة. 

ولعلي اعتقد للحظة أنه كان بينه وبين نفسه، يتمنى أن يقوم أحد الفلسطينيين بتأبينه ليكفر عن وجوده مع الحملة الصهيونية في نكبة الشعب العربي الفلسطيني، ولكونه كان يرى مكانه مع الجانب الأصلاني، مع العدالة مع حرية واستقلال وتقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وعودته لأرض وطنه الأم. 

ونحن نتذكر الأحياء من اتباع الديانة اليهودية ونرثي الشخصيات الهامة المؤمنة بالعدالة السياسية، ورافضوا الفكرة والحركة الصهيونية ودولتها الأسبارطية أمثال يونثان غيفن، نؤكد أن قطاعًا صغيرًا من الإسرائيليين واليهود عمومًا وقفوا إلى جانب فلسطين الشعب والقضية، ولم يهادنوا أو يتواطؤا مع دولة إسرائيل الفاشية، وامتلكوا الشجاعة والجرأة ليقولوا ويعلنوا قناعاتهم دون تردد وعلى رؤوس الاشهاد إيمانًا منهم، بأن دولتهم اللقيطة والنازية لا يمكن ان تصنع السلام، لا بل هي النقيض الجذري لخيار السلام أي كان مستواه، ولا تقبل التعايش مع الشعب العربي الفلسطيني لا في حدود دولة الرابع من حزيران عام 1967، ولا في حدود دولة قرار التقسيم 181 لعام 1947 ولا في حدود الدولة الواحدة الديمقراطية، وكل ما تقبل به هو: الترانسفير والتطهير العرقي أو الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ والحضارة. 

وداعًا يونثان غيفن، وسلامًا لروحك الطاهرة، ولكل امثالك من اتباع الديانة اليهودية المدافعين عن العدالة وتقرير المصير وحرية الشعوب.