سلمني اليوم مشكورًا الأستاذ ماهر كيالي، رئيس "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في مكتب المؤسسة في عمان، عددًا محدودًا، وصل من بيروت من كتابي الأخير "هاني الحسن صوت الحضور الأنيق والنوء العاصف".
تعود قصة هذا المولود الجديد، إن جاز التعبير، إلى نهاية شهر أغسطس من عام 2001، حين كنت برفقة القائد الراحل هاني الحسن ( أبي طارق ) والذي كان مفوضًا للعلاقات الخارجية لحركة فتح، بالإضافة لعضويته في اللجنة المركزية للحركة، في طريقنا في القطار للمشاركةً في ما كان يسمى "الجامعة المفتوحة" لحزب الخضر الفرنسي.
وكانت مدة رحلة القطار الذي أقلنا من باريس إلى شرق فرنسا، قد تجاوزت الأربع ساعات والتي في المحصلة مرت سريعًا لأن الحديث مع أبي طارق كان عفويًا وسلسًا ولكنه غنيًا بدأ منذ أن كان طالبًا في في ألمانيا وأسس مع رفاق درب له اتحاد طلاب فلسطين هناك.
وامتد الحديث ليشمل قصصاً ونوادر حدثت في العديد محطات حياته وعمله المتعدد في عمان، وبيروت ودمشق والقاهرة وطهران وبغداد، وعواصم المغرب العربي والخليج العربي بالإضافة إلى الصين وعدد من العواصم الأوروبية وكانت كل قصة في مكان تجر قصة في مكان آخر وكأنك تحضر فيلماً سينمائياً مشوقاً ولم أكن بفضولي الصحفي أتوقف عن السؤال بما في ذلك الدخول في التفاصيل.
حينها باغت هاني الحسن بسؤال "لماذا لا تسجل أخ أبو طارق كل هذه المعلومات الغنية في كتاب؟ "سكت قليلاً وكأنه فوجئ من السؤال وقال "لم لا عندما أجد الوقت ويكون ذهني صافيًا"، فقلت: "أن لا داعي أن يكتب ويمكن لشخص أن يسأله ويسجل على جهاز"، فقال "نرى لاحقًا".
وغابت الأيام وأعدت عليه الكرة مرة في غزة ومرة أخرى في رام الله إلا أن وافق واضعًا شرط أن يكون الشخص الذي يسأل ويسجل هو أنا شخصيًا، وكنت سعيدًا بموافقته وفعلاً وبعد انتظار التقينا في عمان وسجلت معه فترة غنية منذ نشأته واتفقنا أن نكمل لاحقًا، ثم أتت ظروف تخصنا نحن الإثنين من عمل وتنقل وإقامة في أماكن مختلفة جعلت من الصعب أن نكمل التسجيل بظروف سليمة خاصة مع مرضه الأخير والذي جعل الحديث أمرًا متعبًا فكنا نؤجل دائمًا إلا أن توفاه الله.
وبقيت لدي غصة بأني أضعت فرصة ثمينة لتوثيق سيرة قائد فلسطيني ترك بصمات في مسيرة الثورة الفلسطينية، مثلما بقيت لدي غصة لأني أضعت فرصة تسجيل مسيرة والدي فتحي البلعاوي رحمة الله عليه ودوره الريادي في تأسيس رابطة طلاب فلسطين في القاهرة في مطلع الخمسينات وإنشاء نقابة المعلمين في غزة في منتصف الخمسينات لما لعبه هذان الإطاران في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية.
إلا أن أتى يوماً وأخبرتني ابنة هاني الحسن، المخرجة الصديقة عزة برغبة أسرته إصدار كتاب عن أبي طارق.
وبالفعل قام نجله الأكبر طارق والمقيم في لندن بدعوتنا الصديق العزيز ثائر المصري والذي عمل مع القائد هاني الحسن قرابة ٣٠ عامًا وأنا لزيارة لندن لوضع خطة عمل لإصدار الكتاب وهذا ما تم بالفعل.
ووضعنا طارق وثائر وأنا أسماء الشخصيات التي يجب أن نلتقيها والتي عرفت أبا طارق عن قرب وعملت معه والمتوزعة بين رام الله، عمان، القاهرة، بيروت والمغرب وألمانيا كما زودني طارق بأرشيف تاريخي هام من جرائد وصور.
خلال ٤ سنوات، بما فيها فترة جائحة الكورونا قابلنا عدداً من الشخصيات وأعطونا جزءاً هاماً من وقتهم ولم نوفق في مقابلة الكثيرين ،ومع ذلك قررنا إصدار الكتاب والذي تفصل الأخ الكبير الصديق بكر أبو بكر مسؤول أكاديمية عثمان أبو غربية الفكرية في حركة "فتح"، بمراجعته وإغنائه. أعرف جيدًا أن هناك ما يحب تعديله وإضافته في الطبعة الثانية للكتاب والتي بدأت باستقبالها بسرور.
كل الشكر والتقدير لمن استقبلنا وأعطانا ثقته ومن وقته وقال لنا ما هو مفيد ومثير في بعض الأحيان، ومنً ساعد أيضًا بصدور الكتاب وإعطاء ملاحظات حتى اللحظة الأخيرة لأخطاء تقنية هنا أو هناك في الكتاب.
آمل أن نكون قد وفقنا في تقديم صفحة هامة من تاريخ الثورة الفلسطينية من خلال شخصية هاني الحسن "صوت الحضور الأنيق والنوء العاصف" وهو عنوان اختاره الصديق المفكر بكر أبو بكر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها