أعلن أول أمس السبت الموافق 8/4 الحالي عن تبني "لواء القدس" اطلاق دفعتين من الرشقات الصاروخية من الأراضي السورية على المستعمرات الإسرائيلية المقامة في الجولان. وهي المرة الأولى التي يظهر فيها اسم هذه المجموعة في ميدان المقاومة، كما انها السابقة الأولى منذ عقود طويلة، التي يسمح فيها النظام السوري باطلاق قذائف من أراضيه لغير الجيش العربي السوري، وهو ما يشي بان هناك تغير في توجهات النظام للرد على عمليات القصف الجوية الإسرائيلية المتعاقبة في متوالية هندسية، وبالتالي تحول في تكتيك نظام الأسد الابن في المواجهة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية.
وقبل قراءة الخلفيات، هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها على أي مراقب لديه معرفة بفلسفة نظام آل الأسد الاب والابن، منها لماذا تم اختيار اسم "لواء القدس" الان؟ هل له صلة بمعركة القدس المحتدمة مع العدوى الإسرائيلي، ام هو جزء من "فيلق القدس" التابع لإيران؟ وهل هو مجموعة من القوات الخاصة السورية، ام هو الذراع العسكري لقوات تنظيم الصاعقة الفلسطيني التابع للنظام السوري؟ ولماذا لم تتبنَ منظمة الصاعقة او القيادة العامة او أي من الفصائل المتمركزة في دمشق العملية. لا سيما وانها تنظيمات فلسطينية، ولها مصلحة وطنية وقومية في الرد والدفاع عن الشعب في معركة القدس؟ والم يخشى القائمون على المجموعة او التنظيم الجديد حدوث التباس بينه وبين الفيلق الإيراني؟ ولماذا تأخر الإعلان عنه. رغم ما يزيد على المائة عملية قصف إسرائيلية للأراضي والمراكز السورية المدنية والعسكرية طيلة الفترة الماضية؟ وما الهدف من الإعلان عن التشكيل الجديد الان؟ هل سيكون بديلا عن تنظيم الصاعقة؟ ومن هي قيادته؟ هل هي نخبة عسكرية، ام عسكرية سياسية؟ وهل له امتداد تنظيمي شعبي من الأوساط السورية فقط، ام سورية فلسطينية، ام أوسع من ذلك؟ ام هو اسم وهمي ومؤقت لاعفاء النظام من تحمل المسؤولية عن عمليات اطلاق الصواريخ من الأراضي السورية؟
الأسئلة كثيرة ومتعددة المرتبطة بالإعلان عن التنظيم الجديد، ومبادرته لقصف المستعمرات الإسرائيلية. وسبر اغوارها يحتاج لبعض الوقت لحين اتضاح هوية التشكيل الجديد. لكن المؤكد، ان تشكيل "لواء القدس" يتبع للنظام السوري، لان نظام الرئيس بشار لا يسمح لاي قوة فلسطينية او سورية او إيرانية تنفيذ أي عمل عسكري ضد إسرائيل دون موافقته ومباركته، ومن حاول في العقود الماضية من الفصائل الفلسطينية القيام باي عملية فدائية، كان يتعرض للمساءلة والملاحقة. لانه تجاوز الخطوط الحمر للنظام.
اما حسبما اعتقد، فإن الخلفيات ترتكز على الآتي. أولا الإعلان جاء بعد زيارة الرئيس السوري لموسكو أواسط الشهر الماضي، والتي حملت في طياتها إعادة نظر في اليات التعامل مع دولة المشروع الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية والغرب الرأسمالي عموما وحلفائها في إقليم الشرق الأوسط؛ ثانيا إدراك الأسد الابن ان معادلة الصراع الدولية تشهد تحولا ملموسا، وفي اثر تراجع مكانة واشنطن في التقرير بالسياسة الدولية؛ ثالثا الازمة العميقة التي تعيشها دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، التي اثرت على قوة الردع الإسرائيلية، وهزت مكانة الدولة الفاشية الإقليمية والدولية؛ رابعا الرد على عمليات القصف الهمجية الإسرائيلية، والاعتقاد السائد في أوساط النظام، ان لحظة الرد على الفلتان الإسرائيلي الاجرامي من العقاب باتت سانحة، وضرورة إعادة الاعتبار لمكانة النظام في مشهد ما يسمى حلف المقاومة؛ خامسا الاستعداد التركي الضمني من الانسحاب من الأراضي السورية، والرغبة لدى اردوغان بالمصالحة مع نظام بشار الأسد عشية الانتخابات القادمة الشهر القادم؛ سادسا انفتاح اهل النظام العربي الرسمي على سوريا باستثناء قطر، اعطى النظام دفعة معنوية اكبر للتحرر من بعض القيود؛ سابعا أيضا يمكن الافتراض ان المصالحة السعودية الإيرانية ساهمت في اطلاق يد النظام للرد على إسرائيل؛ ثامنا معركة القدس والمسجد الأقصى المفتوحة على مداياتها الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية؛ ثامنا محاولة النظام السوري في توسيع دائرة استقطاب قوى المقاومة المختلفة، والاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية العربية والإسلامية المنادية بضرورة الرد على القصف الإسرائيلي، والكف عن لازمة "سنرد في الوقت المناسب" التي مضى عليها عقودا طويلة؛ تاسعا سماح القيادة الروسية للقوات السورية باستخدام الصواريخ الروسية "اس 300" و"اس 400" وغيرها من الأسلحة الحديثة للدفاع عن نفسها، واستعداد القواعد الروسية للمشاركة في التصدي لعمليات القصف الجوي الإسرائيلية المتوالية .. الخ من العوامل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها