يحق لنا البحث عن رؤية صائبة للسلام بين جموع مئات آلاف الإسرائيليين الرافضين لسياسة وكنيست نتنياهو، وما لم نجدها فإن من حقنا النظر بحذر شديد إلى الأحداث الدائرة الآن في شوارع تل أبيب، لأنه بدون ربط مشكلة منظومة الاحتلال الكبرى، بمسبباتها الرئيسة وهي الاحتلال والاستيطان والفاشية المتنامية، والعنصرية المتفشية كالداء في المجتمع الإسرائيلي، فإن كل ما يحدث وما سيترتب عليه، سيعيد منظومة الاحتلال إلى نفس هذه النقطة التي نشهد أحداثها اليوم ولو بعد حين.
نتابع بحرص شديد سجالات رؤوس أحزاب ائتلاف حكومة منظومة الاحتلال، التي إذا استحقت وصفًا فلا يليق بها أكثر من وصف (ائتلاف مافيات) يسعى كل طرف للاستحواذ على حصته من السلطة، وبذات الوقت أكبر حصة من دماء الشعب الفلسطيني، ونيل وسام تمجيد على قدرتهم بقهره وإخضاعه وإذلاله، ولكن قد يحققون هدفهم الأول، لكن تحقيق هدفهم الموازي لإلغاء أو تشويه أو ضرب تاريخ وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني على أرض وطنه فلسطين، يتطلب أولاً حصد نجوم السماء، ورغم ذلك فلن يستطيعوا اقتلاع جذور شعبنا فهذه أزلية، أما هم فيدركون أنهم طارئون عابرون مستخدمون، ستنتهي يومًا صلاحيتهم.. ولا يبقى على هذه الأرض إلا أهلها لا تمييز بين عقيدة مواطن وآخر، فنحن أهل الديمقراطية لو علموا.. وسيعلم العالم أن من ينكر وجود الشعب الفلسطيني الذي سميت أرض وطنه باسمه، هو عدو للحقيقة والتاريخ والثقافة الإنسانية، وعدو للحضارة والمدنية ومنهج الديمقراطية، وسيكون الصاعق المفجر ليس للمجتمع الإسرائيلي وحسب، بل لمبدأ السلام الذي تسعى الشرعية الدولية لتكريسه وجعله حقيقة قائمة، في فلسطين والدول العربية أيضًا.
لن نسقط في فخ تحليل الأحداث الجارية في كيان منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري (إسرائيل) رغم أن شأنهم الداخلي يؤثر علينا مباشرة، سواء كان مستقرًا متوازنًا، أو يشوبه خلل، أو ساقط في متاهة مشاكل داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية قد تؤدي لتفكيك المنظومة وصولاً للحظة الانهيار، فما يعنينا في هذه اللحظات على الأقل انكشاف الوجه الحقيقي للصهيونية، تلك التي ألبست قناع الديمقراطية منذ قرار الدول الاستعمارية بإنشاء إسرائيل، وهذه الصهيونية الدينية والعظمة اليهودية التي أبدعت في رقص التعري (الاستربتيز السياسي) وإخراجه بحرفية عنصرية فاقت أرقام سابقاتها من الأحزاب والتنظيمات المسلحة الإرهابية، متخذة من (ملهى) بنيامين نتنياهو (قبضاي الليكود) المفتوح في الهواء الطلق (24 ساعة) فرصتها لاستنساخ أصول الصهيونية العنصرية الدموية التي لا تتناسب إلا مع عصور البشرية الهمجية، الأمر الذي أصاب عتاة المنظرين للمشاريع الاستعمارية بالصدمة نظرًا لخروج (المُسْتَخدَمْ) حكومة إسرائيل عن طاعة سيده وولي أمره، وحشر الإدارة الأميركية الحالية في مربع الحرج، نظرًا لاتخاذها الديمقراطية معيارًا لتقييم الأنظمة الحاكمة في أي مكان في العالم، وتحديد المواقف منها، وحتى اصطناع مبررات لغزوها، لكن يجب علينا الانتباه وقراءة ردود فعل الإدارة الأميركية ومواقفها تجاه الأحداث، حيث أبدت حرصها الشديد على تماسك ووحدة الجيش الإسرائيلي، لأن منظومة الاحتلال (إسرائيل) عبارة عن جيش له دولة وحكومة ومجتمع، بخلاف أي دولة في العالم حيث للدولة شعب وجيش وقانون، فحتى القوانين في هذه المنظومة الفاشية محكومة بكيفية خلاص رؤوس حكومات ووزراء ومسؤولين فاسدين ومجرمين من المتابعة القضائية –هذا بالنسبة لوضعهم الداخلي– أما بالنسبة لنا فهم مجرمو حرب وضد الإنسانية أيًّا كان تقييم مجتمعهم وقضائهم لهم... وهنا يجب ألا ندرج جميع فئات المجتمع الإسرائيلي في بوتقة واحدة، فمؤيدو السلام معنا وفق قرارات الشرعية الدولية، نحترم رؤاهم الواقعية، ونشجعهم على استعادة مواقعهم في التشريع والقرار لتحقيق السلام المنشود.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها