لا أعتقد أني أضيف للذاكرة الوطنية الجمعية الفلسطينية أو العربية جديدًا حين اسلط الضوء على العقوبات الجماعية الصهيونية، لأنها جزء من فلسفة ومنهجية دولة المشروع الصهيوني الإجلائي الاحلالي. مع ذلك لا يعني وضعها تحت المجهر مجددًا ترفًا، أو إجترارًا لا فائدة منه، العكس صحيح. لأن هناك حاجة دائمة لإبرازها، والكشف عن مخاطرها على الشعب العربي الفلسطيني خصوصًا والعرب عمومًا، ولفضح وتعرية حكوماتها المتعاقبة وخاصة حكومة نتنياهو السادسة الفاشية، لأنها تستقي جرائم حربها من ذات المستنقع الفاشي، وأيضًا وضعها على طاولة أركان الأقطاب الدولية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتدرك حجم بشاعة وهمجية الاستعمار الإسرائيلي، لعلها تعيد النظر في سياساتها المتعامية عن الدولة التي أسسوها على حساب نكبة الشعب الفلسطيني الأعزل، وكذا لادراجها أمام هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الانسان، وحث العالم أجمع ليستيقظ للحظة على خطرها على السلم والأمن القومي والإقليمي والدولي، وليس على الشعب الفلسطيني فقط، ودفعها للعمل بجدية ومسؤولية لتنفيذ قرار أممي واحد من القرارات الأممية التي زادت عن الألف قرار، وخاصة القرار 2334.
إذًا إعادة إثارة موضوع العقوبات الجماعية أكثر من ضروري، لأنه يتناقض جملة وتفصيلا مع القوانين والشرائع والمعاهدات الأممية جميعها دون استثناء، وكونه تهديد دائم لخيار السلام، الذي تدعمه كل الدول، على الأقل شكليًا من خلال تبنيها الكم الهائل من القرارات التي تصوت عليها تلك الدول، ولكشف زيف ادعاءات دول الغرب الرأسمالي وربيبتهم إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، بأنها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، والديمقراطية براء منها، ومن وجودها كدولة طارئة ولقيطة، وترفض القانون الدولي، وتمتهنه وتستبيحه.
كما أن الواجب والضرورة الوطنية والقومية تحتم إزالة اية أوراق تغطي عوراتها مع صعود الفاشية المتجددة، ولادراك العالم والدول العربية المتورطة بالاستسلام، والموقعة على اتفاقيات تتناقض مع مبادرة السلام العربية ومحدداتها الأربعة، وفي ذات الوقت، لفهم الأسباب الموجبة لكفاح الشعب العربي الفلسطيني في الدفاع عن أبسط حقوقه السياسية والقانونية. رغم أنه مد يده للسلام الممكن والمقبول طيلة العقود الماضية من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحديدًا في العقود الثلاثة الأخيرة بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993.
ومنذ أن تولت حكومة نتنياهو الفاشية مهامها قبل شهر من الآن قامت أجهزة الأمن الإسرائيلية المختلفة وعلى رأسها جيش العصابات الصهيونية بقتل خمسة وثلاثين مواطنًا فلسطينيًا أعزلاً، بما في ذلك شهداء مجزرة مخيم الفداء والبطولة، مخيم جنين يوم الخميس الماضي، ولم تتوقف عند ذلك، بل إنها في أعقاب العملية الفدائية للشهيد البطل خيري علقم يوم الجمعة، أعلن الكابينت المصغر والحكومة عموما عن إجراءات إجرامية جديدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، منها ما تم الإعلان عنه في اليومين الماضيين، أولاً تعزيز الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية عمومًا والقدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، وهو ما يعني دفن عملية السلام كليًا؛ ثانيًا إصدار أوامر عسكرية بمنع دخول عائلات يتهم أبناؤها بعمليات دفاعية عن النفس ضد إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 1967، والمصنفة بالمنطقة C، وفرض إقامة إجبارية تشمل عددًا كبيرًا من أبناء الشعب، ومطالبة الإدارة المدنية الاستعمارية بتحديد المساحة التي يمنع دخولها؛ ثالثًا شن حملات عسكرية واسعة بذريعة جمع الأسلحة بهدف التنكيل والبطش بابناء الشعب، وخاصة في العاصمة القدس ومحيطها، وفرض منع التجول على الاحياء والمخيمات الفلسطينية ، ومنها مخيم شعفاط؛ رابعًا تسريع الإجراءات لمنح المستعمرين الصهاينة ترخيص الأسلحة لاستخدامها ضد الفلسطينيين العزل، واطلاق الرصاص عليهم دون مبرر، مع ان هناك حسب الإحصاءات الإسرائيلية أكثر من 150 ألف ترخيص للسلاح لأولئك المستعمرين، والحقيقة أن المجتمع الصهيوني بمختلف تلاوينه يحمل السلاح. وهذا ما أعلنه وزير الحرب، يؤاف غالانت مساء يوم الاحد الماضي في رسالة موجهة للمستعمرين وجنود وضباط الجيش الإجرامي، ووفق قناة "كان" الإسرائيلية، قال خلال زيارته لفرقة الضفة الفلسطينية مخاطبًا قادتها وجنودها: إن "كل "مخرب" يلحق الأذى بالمدنيين او الجنود، سيقدم للمحاكمة أو إلى المقبرة." وهو ما يعني اطلاق يد الصهاينة من مختلف المسميات لاطلاق الرصاص الحي بذرائع شتى، وحسب مزاجهم الشخصي على الفلسطينيين دون اية أسباب، ولمجرد القتل والاعدام للابرياء العزل.
وأضاف: "وإذا لزم الأمر سنرحل الناس ونهدم منازلهم."، وسحب الهويات الزرقاء من المقدسيين؛ خامسًا تسريع فرض قانون الإعدام والسماح باتخاذ القرار بأغلبية القضاة وليس بالاجماع؛ سادسًا تكثيف تواجد الجيش والشرطة في القدس العاصمة الفلسطينية والضفة عمومًا؛ سابعًا اغلاق سريع لمنازل العائلات التي يتفذ أبناؤها عمليات فدائية دفاعًا عن الذات والشعب، تمهيدًا لهدمها؛ ثامنًا سحب الحقوق والمخصصات الاجتماعية المقدمة للفلسطينيين في مدينة القدس وبقية مدن ومحافظات الضفة، وأيضًا يندرج تحت هذا البند أبناء الشعب في مناطق ال48؛ تاسعًا سن قانون لطرد عائلات من ينفذ عمليات ضد إسرائيل؛ عاشرًا اعتقالات واسعة وفرض عقوبات جماعية ضد العائلات الفلسطينية التي دافع أبناؤها عن حقوقهم السياسية والقانونية والاجتماعية؛ حادي عشر عدم صرف مخصصات شيخوخة لمن يعتقل على خلفية وطنية، وإلغاء مخصصات التأمين لمن يتم الإفراج عنهم في تبادل الأسرى أو من خلال مفاوضات سياسية، وغيرها من الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.
هذه هي الحكومة الإسرائيلية الفاشية التي تدافع عنها وتساندها الإدارة الأميركية، وتغطي جرائمها بغربال ممزق، وتتواطأ معها، وتتبنى خياراتها المعادية للسلام، وفي ذات الوقت تردد مواقف لا تعنيها عن حرصها على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
ومع ذلك، فإن كل تلك الإجراءات لن تفت في عضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ولن تثنيهم عن حق الدفاع عن الذات والوطن والمشروع والأهداف الوطنية كاملة غير منقوصة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها