تلقفت وسائل الدعاية والتحريض الصهيونية وامتداداتها العالمية رد سيادة الرئيس محمود عباس على السؤال الموجه والمفتعل من قبل أحد الصحفيين الذي أراد إبداء الاعتذار عن عملية ميونخ في العام ١٩٧٢، ولعدة أيام تمارس أدوات الدعاية الصهيونية هوايتها في التحريض على الرئيس والشعب الفلسطيني بحجة إنكار المحرقة "الهولوكوست"، ولم تخلُ نشرة أخبار من آراء المحللين والسياسيين الذين أبدعوا في اقتطاع التصريحات من سياقها وتحريف بعضها والإضافة على بعضها الآخر، حتى أن أحد المحللين الأكثر شهرة في إسرائيل ويدعي المعرفة التفصيلية في الشؤون العربية والفلسطينية أعاد التأكيد لمرات كثيرة على أن هذه التصريحات ليست عفوية بل إنها في صلب التفكير والعقلية الفلسطينية وقد انتشرت على نطاق واسع الادعاءات المضللة لوجهة النظر الفلسطينية عن المحرقة وحقيقة ما جرى خلال تلك الحقبة الزمنية. وبعد عقود طويلة من الاستثمار السياسي البشع لما حصل ولدماء الضحايا الذين فقدوا أعمارهم بسبب إسرائيل فإنها تحاول إعادة الكرة ثانية وعلى جبهتين هذه المرة، ففي مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم قامت جماعات الضغط اليهودية بإجبار ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية على الاعتراف بمسؤوليتها المباشرة عن قتل المدنيين وما ترتب على ذلك من مسؤوليات شملت مليارات الدولارات من التعويضات الألمانية لإسرائيل التي بدأت بطلب تعويض عاجل يقدر بمئة ألف دولار أميركي لخزينة الدولة الحديثة والفارغة، وانتهى ذلك الطلب بمئات الطلبات والاشتراطات التي ترافقت مع كثير من الابتزاز السياسي والإعلامي، أدى فيما بعد لإجبار ألمانيا على التسليم والموافقة لمطالب الحركة الصهيونية كافة.
اليوم وبعد كل ما فعلته ألمانيا لإسرائيل يأتي الابتزاز الإسرائيلي ليعيد الكرة ويطلب من ألمانيا تحمل مسؤوليتها عن عملية ميونخ التي قتل فيها الإسرائيليون الأحد عشر نتيجة رفض إسرائيل طلبات الفدائيين الذين لم يهدفوا أبدا للقتل وإنما كان طلبهم تحرير مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، وقد تجلى هذا الابتزاز برفض أهالي القتلى المشاركة في إحياء ذكرى العملية وقد أيد موقفهم رئيس الدولة الذي رفض أيضا حضور المناسبة في تأكيد واضح على أن فعل أهالي القتلى ليس عفويا، وإنما هو متوافق مع سياسة الدولة التي مثلها رئيسها هذه المرة، كما أن الابتزاز لن يتوقف عند الحكومة الألمانية بل ستحاول إسرائيل استغلال الحادث للتأثير على مسار الفعل السياسي الفلسطيني الذي يشهد تحولا مهما في السنوات الأخيرة، خاصة بعد التأكيد العالمي الذي تحظى به القضية الفلسطينية في الأوساط الأميركية والأوروبية.
فليس المقصود هنا هو تبني الرواية الصهيونية من قبل الفلسطينيين فقط بل ما هو مطلوب أكثر من ذلك بكثير فالاعتذار وتحمل المسؤولية يعطي لإسرائيل أكثر مما تطلب فهذا يعني نفي قيام إسرائيل بمجازر ضد الشعب الفسطيني وإدانة الفعل الفلسطيني المقاوم بكل أشكاله، والأخطر من ذلك إعطاء الشرعية لما تقوم به إسرائيل من السياسات العنصرية والأبارتهايد والقتل والتهجير الذي استمر لقرابة قرن من الزمن هذه الاستراتيجية الهادفة لابتزاز ألمانيا والقيادة والشعب الفلسطيني ما هي إلا محاولة لاصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها