ضحى، وعبد الله، ومحمد، وعبد الرحمن رأفت الزقزوق، توائم أربعة، أبناء شهيدة في العدوان على غزة –خان يونس- السنة الماضية، أوفوا والدتهم العهد بالنجاح في امتحانات الثانوية العامة، وحققوا لروح امهم الحاضرة أبدا في قلوبهم وذاكرتهم ما تمنت وتعبت لأجله، نجح التوائم الأربعة أبناء الشهيدة فهاتفهم الرئيس الانسان محمود عباس، ولم يكتف بتهنئتهم وحسب، بل تكفل بتعليمهم على نفقة الرئاسة.. وكان الرئيس قد تكفل قبل عامين -2020- بتكاليف الدراسة الجامعية لسبعة توائم تفوقوا في امتحانات الشهادة الثانوية منهم اربعة توائم من عائلة ناهي حنني في بيت فوريك في نابلس، وثلاثة توائم من عائلة ايمن قديح من خان يونس في المحافظات الجنوبية.

تحدث سيادة الرئيس في مناسبات عدة إحساسه بكفاح عائلته من أجل تأمين تكاليف المعيشة اليومية، بالتوازي مع كفاحها لتأمين متطلبات التعليم، بعد الهجرة القسرية من الوطن – صفد - أثناء النكبة في سنة 1948، فرئيس الدولة محمود عباس يدرك جيدًا بعد مسيرة من الكفاح على الصعيدين الاجتماعي والسياسي أهمية العلم والتعلم والتعليم كقاعدة ثلاثية الأبعاد لإظهار الشخصية الفلسطينية العربية الانسانية الحضارية على الصعيدين الفردي الإبداعي والجمعي الوطني.. ونعتقد أن مؤسسة محمود عباس وصندوقها الخاص لتقديم تكاليف دراسة جامعية للطلبة الفلسطينيين اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان الناجحين في الثانوية العامة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، دليل على فلسفته الشخصية، ومفهومه لمعنى القيادة، والصلاحية بالقرار.

 تظهر مع نتائج إمتحانات الثانوية العامة كل عام، قصص وحالات إنسانية كانت خافية بسبب التعفف لدى أصحابها، ما كان لها أن تظهر لولا الخط الأحمر الفاصل ما بين مرحلتي التعلم الثانوي والجامعي، خط احمر لا يمكن تجاوزه بدون تكفل، أو توفر المال اللازم للتسجيل في التخصص المطلوب، أو منحة من جهة ما، او دولة ما، او مساعدة من الحكومة ومؤسسات الدولة، والجامعات وفاعلي الخير بالسر والعلن، لكن كل هذا لا يتحقق إلا لنسبة بسيطة من تجاوز الخط الفاصل، فيما نسبة عالية من الفقراء المتفوقين وبمعدلات ممتازة، لا يتمكنون ليس بسبب ظروفهم المادية الصعبة وحسب، بل لأن تكاليف التعليم الجامعي في بلدنا فلسطين أكبر بكثير من قدرة عائلات محدودة الدخل، أو عائلات ورثت الفقر أبا عن جد، ولا أمل لإنقاذها من براثنه إلا عبر أبنائها المتعلمين الناجحين حديثا.. ولكن من سيدفع، من سيتكفل، من سيساعد، من سيدعم، من سيتوسط لدى المسؤولين، من سيقدمهم للمجتمع كأشخاص اذكياء متميزين، يتمتعون بقيم اخلاقية، وأنهم نجحوا في منع  شيطان الفقر من دفعهم الى مستنقع الانحراف.

كتبنا سابقًا عن فكرة انشاء جامعة للفقراء، ما دامت الدولة غير قادرة حتى اليوم على توفير التعليم المجاني في الجامعات، ونعتقد أنها ما زالت حاجة ضرورية جدا وقابلة للتنفيذ، ولكن عبر عملية تضامن وتكافل رسمي حكومي ومؤسساتي وأهلي، ونلخص جوهر الفكرة من جديد بإنشاء جامعة تبدأ بألف طالب على الأقل، ينجحون بمعدلات ممتاز عالية ولكن بامتحان ذكاء وقدرات ابداعية متميزة، بغض النظر عن المعدلات العالية في امتحانات التوجيهي التي تبدأ من التسعين من المئة فما فوق التي نسمع عنها بكثافة، والتي يعرف الجميع أن نسبة عالية منها اتت حسب قدرة الطالب على الحفظ المادة في ذاكرته!! فالأمية كما يجب تعريفها في زماننا أنها ضعف الذكاء او انعدامه لدى الفرد، وليس لأنه لم يتعلم، ولا يقرأ ولا يكتب! ونحن كما نعتقد نحتاج لنسبة عالية من المبدعين، والمبتكرين المتميزين بذكائهم، والقادرين على توظيف قدراتهم في خلق حالة نوعية في مجتمعاتهم وتخصصاتهم، نحتاج لعقول تجريبية في تخصصات العلوم كافة، وليس لجيوش من الناجحين على الطريقة الكلاسيكية، ضعفاء في الاستنباط، والاستنتاج، لا يمكنهم بأي حال خلق فرص عمل أو تعلم جديدة لأنفسهم ولا لغيرهم.

تعليم الفقراء وأبناء ذوي الدخل المحدود، الأغنياء بذكائهم وبقدراتهم على التميز والإبداع، واجب وطني، آن الأوان لشرعنته بقوانين، لأننا بذلك نعزز المجتمع بكفاءات علمية ومعرفية ومهنية  وثقافية، وبالتوازي نعزز السلم الأهلي عبر تحسين نظرة الشرائح الاجتماعية الإيجابية، ودمج الجميع في عملية بناء نحتاجها بالفعل لمقاومة خطر وجودي واقع علينا من منظومة الاحتلال العنصري الصهيوني الإسرائيلي، الذي يحول الاذكياء عندنا إلى مجرد أياد عاملة آلية فقط في مزارعه ومصانعه ومنشآته. 

بوركت يد كل إنسان طيب كريم مدت بالخير نحو فقير ناجح، وهي كثيرة في مجتمعنا ونفخر بها، لكن الأوطان تبنى بالمؤسسات، القائمة على الأفكار الإبداعية النبيلة والمبادرات.

 

المصدر: الحياة الجديدة