ما أشبه اليوم بالبارحة، ها هي منظمة الأمم المتحدة تواصل ذات النهج المتناقض مع مرتكزات قوانينها ومواثيقها ومعاهداتها ومبادئ حقوق الإنسان. كما فعلت مع نشوئها حين ورثت صك الانتداب البريطاني، ونفذت بالحرف أهدافه وغاياته الإجرامية، وفي الوقت ذاته تخلت طوعًا عن مهامها الأممية لخدمة أغراض الدول الرأسمالية الغربية والحركة الصهيونية عندما لم تعر أي أهمية لتنفيذ الجوانب المتعلقة بمصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني في القوانين الدولية، التي تبنتها وأصدرتها ومنها على سبيل المثال لا الحصر قرار التقسيم الدولي 181، وقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم وتعويضهم عن نكبتهم وخسائرهم 194، وبقيت تتعامل مع دولة المشروع الصهيوني الاستعمارية كدولة "شرعية"، مع أن نصوصًا واضحة في أكثر من قرار ومنها القرار المذكور آنفًا، أن اعترافها بإسرائيل مرهون بتنفيذ قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة الـ44% من فلسطين التاريخية.. إلخ
وفي السياق لا يمكن الرهان على الأغلبية الأممية، رغم أهميتها وضرورتها في المنظمة الدولية لانتزاع قرارات أممية جديدة لصالح القضية الوطنية، بيد أن قراراتها المؤيدة والداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية، والتي تجاوز عددها الـ800 قرار، تراوح مكانها في أدراج المسؤولين وعلى أرفف المنظمات وديسكات القائمين على مراكز القرار من القيادات المتعاقبة في هيئة الأمم المتحدة منذ العام 1947. لأن أصحاب النفوذ والتقرير في القرار السياسي الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية حالت دون الاقتراب منها، كما أنها لوحت وتلوح لها (لدول العالم الثالث) بالعصا الغليظة أو عبر فتات موائدها لثنيها عن إثارتها، أضف إلى أن ثقلها الأممي آخذ في التراجع والضعف لأكثر من اعتبار، يقف في طليعتها وهن وتفكك الحالة الرسمية العربية، وانخراط غالبية دولها في دوامة التطبيع الاستسلامي المجاني مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية بشكل مباشر وغير مباشر.
مجددًا في ظل المعطيات الناجمة عن فشل العالم في تحقيق تسوية سياسية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وفي ظل هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة على ملف العملية السياسية، وارتباطًا بالتحولات الجارية في المنطقة والإقليم عمومًا والعالم، وبعد أن ألغت الأمم المتحدة القرار الدولي 3379، الذي أكد أن الحركة الصهيونية هي حركة رجعية وعنصرية في العام 1975، وتعويم دولة إسرائيل المارقة في المنظومة الدولية خلال الثلاثين عاما الماضية نتاج هيمنة وتفرد الولايات المتحدة على المنظمة الدولية، وتسيد نظام القطبية الواحدة، تعمق الهيئة الأممية الدولية انحرافها ومجانبتها الصواب والمنطق والقانون الأممي مع منحها المنظمة الصهيونية الأميركية الكبرى (AZM) صفة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لها، بعد أن تولى مندوب إسرائيل غير الشرعية موقع نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفق ما صرحت به صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية يوم الأربعاء الماضي الموافق 3 آب/ أغسطس الحالي.
وللعلم تم تأسيس المنظمة الصهيونية عام 1993 ومقرها الدائم في مدينة نيويورك وتعتبر المنظمة الأم لـ21 حركة ومنظمة فرعية صهيونية رجعية، ووظيفتها ومهمتها الأساسية تقوم على تعزيز الروابط مع أتباع الديانة اليهودية في الولايات المتحدة، وتشجيع وتنظيم الهجرة لليهود الأميركيين لإسرائيل الاستعمارية، والعمل على نشر القيم والمعايير الصهيونية في أوساط أولئك اليهود، وتعزيز وثاق علاقاتهم بدولة النكبة الإسرائيلية؛ أضف إلى أنها تقوم بمحاربة القوى المؤيدة لكفاح الشعب العربي الفلسطيني وخاصة في أوساط أعضاء المجلسين الشيوخ والنواب؛ وتروج بضاعتها الفاسدة من خلال وسائل الإعلام الخاصة بها والمنابر اليمينية الأميركية ببث الأخبار والمعلومات الكاذبة لتشويه صورة النضال الوطني التحرري، والتغطية على وجه إسرائيل كدولة فصل عنصري.
وتعتبر الخطوة الأممية المتناقضة مع معايير السلام ومبادئ حقوق الانسان تشويها حقيقيًا للعدالة الإنسانية والقانون الدولي، لأنها تفتح أبواب الشرعية الدولية أمام تلك العصابة من المنظمات الصهيونية العنصرية لتنظيم اجتماعاتها وفعالياتها داخل وتحت مظلة الهيئة الأممية أولاً؛ وتسمح لها بالحضور والمشاركة الفاعلة في جلسات المنظمة الدولية ومنظماتها المختلفة؛ ثانيًا؛ وتمثل منبرًا إسرائيليًا صهيونيًا إضافيًا لترويج الأفكار والسموم الصهيونية الرجعية والعنصرية، ثالثًا؛ كما أن منح المنظمة الصهيونية الصفة الاستشارية يعزز مكانة الحركة الصهيونية، ويعتبرها "رديفا" للمنظمة الأممية، التي يفترض أنها راعية للسلام والعدالة وحقوق الانسان، والبيت الأممي المعمق للتسامح والتعايش والمساواة بين الشعوب، وهو ما يتناقض كليا مع القرار الاممي القديم 3379 الصادر عام 1975 رابعا.
وفي ضوء هذا التطور غير الحميد والمضر بالبشرية جمعاء، وليس بقضية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، فإن الضرورة تملي على الكل الفلسطيني وخاصة قيادة منظمة التحرير ومؤسساتها العمل على أولاً فضح وتعرية القرار الأممي؛ ثانيًا اعتبار القرار معاديا للسلام؛ ثالثًا العمل على إلغاء القرار فورًا بالاستناد للأغلبية الأممية، إن أمكن ذلك؛ رابعًا التوجه للدول الصديقة والمؤيدة للحقوق الفلسطينية التي تورطت في التصويت لصالح القرار لإعادة النظر بقرارها؛ خامساً تصعيد وتكثيف الجهود الدبلوماسية الفلسطينية داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها لإدانة القرار؛ سادسًا إعادة طرح مشروع القرار الأممي القديم 3379 لإعادة الاعتبار له، والتأكيد وفقا لتقارير المنظمات الأممية ومنها منظمة العفو الدولية "امنستي" و"هيومن رايتس ووتش" الأميركية ومنظمة عدالة الإسرائيلية "بتسيلم" على أن إسرائيل دولة فصل عنصري، والحركة الصهيونية حركة فاشية ومعادية للسلام.. إلخ

*المصدر: الحياة الجديدة*