نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الحالي لم يخف هويته الاستعمارية، ولم يغادر موقعه في مجلس الاستيطان في الضفة الفلسطينية عمليًا، ولم يتنكر لحقيقة مواقفه المعادية للسلام، ورفضه المطلق للشراكة مع القيادة الفلسطينية لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. كان وما زال الأوضح في تخندقه في مواقع الاستيطان الاستعماري، وجاهر منذ اللحظة الأولى لتوليه رئاسة حكومة التغيير قبل عام عن رفضه اللقاء مع سيادة الرئيس أبو مازن وأي من أركان القيادة الفلسطينية، متحديًا بذلك الإرادة الأممية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بعملية التسوية السياسية. 

وانسجامًا مع ما تقدم، واصل التنافس مع خصومه ومعارضيه في اليمين الصهيوني المتطرف وفي مقدمتهم نتنياهو، زعيم المعارضة في مباراة استباحة الدم والمصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية انسجاما مع خياره الآيديولوجي السياسي، وأيضًا للحفاظ على كرسي الحكم، ولإظهار تفوقه العنصري والفاشي في معاداة الشعب الفلسطيني والسلام على حد سواء. 

وتكريسًا لخياره الاستعماري الإجرامي قام أمس الثلاثاء بزيارة مستعمرة "الكانا" غير الشرعية في الضفة الفلسطينية بمناسبة ذكرى إقامتها على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 قبل 45 عامًا خلت. وهذه الزيارة الأولى لرئيس الائتلاف الحاكم، وهي ليست سابقة في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإنما استمرار لذات نهج التطهير العرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتعميقًا وتعزيزًا لهدف الحركة الصهيونية في مشروعها الكولونيالي لبناء دولة إسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية من خلال خطة الترانسفير المتدحرجة لطرد الغالبية الساحقة من الفلسطينيين بوسائل ومشاريع استعمارية شتى. لا سيما وأنه يرفض رفضًا قاطعًا إقامة الدولة الفلسطينية، وحتى الحكم الإداري الذاتي لا يقبل به، وكل ما يمكن قبوله في أحسن الأحوال لمن يتبقى من الفلسطينيين، هو "تحسين مستوى المعيشة".

ويخطئ من يعتقد أن أمر مباركته، وتعميده للمستعمرة غير الشرعية، وخياره ووجوده غير الشرعي في الأرض المحتلة عام 1967 محصور، أو ذات صلة باستقالة مستشارته السياسية، شمريت مئير من منصبها. لأن في ذلك تقزيمًا وتفصيلاً ثانويًا وتبهيتًا للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستراتيجي، وهو ما يستدعي من العالم كله وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التصدي لجرائم بينيت المعلنة في ترسيم المستعمرات وتكريسها في إعلان صريح ومباشر ضد خيار السلام الممكن والمقبول. والكف عن ازدواجية المعايير، التي تعكس سياسة التواطؤ المعلن مع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولعملية السلام المهددة بالتصفية الكاملة. مع أن بينيت يتحدى العالم في انتهاكاته الإجرامية المتواصلة، ولا يقيم وزنًا للقوانين والمعاهدات والاتفاقيات والشرائع الدولية.

وتكريسًا لدور دولة الإرهاب الإسرائيلية المنظم، وتعميقًا للاستيطان الاستعماري، ونسف خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 أعلن بينيت، صاحب المقاعد الستة في الكنيست، والذي يقف على رأس الائتلاف الآيل للسقوط متوعدًا ومحذرًا الشعب الفلسطيني من أن القوات الإسرائيلية ستستخدم "جميع أنواع الأسلحة" لاستهداف كل من يشكل خطرًا على المواطنين أو الجنود الإسرائيليين. !!

ولم يسأل رئيس الوزراء نفسه، لماذا جنوده ومستعمروه موجودون في الأرض الفلسطينية؟ وهل المطلوب من الفلسطينيين أن "يرشوا عليهم الورد"، ويفتحوا أبواب بيوتهم "مرحبين" بالمحتلين المغتصبين لأرضهم وهوائهم ووفق أي منطق عقلي يهدد المستعمر، سوى منطق غلاة الفاشية والعنصرية الصهيونية؟ من الواضح أن زعيم حزب "يمينا" يعتقد أنه يخيف ويرهب الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ومناضليه الأبطال من جرائم حرب  جيش عصاباته الصهيونية، وتناسى أن أبناء فلسطين خبروا كل زعران وقتلة ومجرمي حرب دولته قبل قيامها، وبعد قيامها، ويعرفون جيدًا كيف يواجهونها بالحكمة السياسية والصلابة الكفاحية، واستنادًا لما كفله لهم القانون الدولي من حقوق في الدفاع المشروع عن حريتهم واستقلالهم وعودتهم وتقرير مصيرهم ومساواتهم الكاملة لحملة الجنسية الإسرائيلية، ودون ذلك فالميدان مفتوح على مصاريعه للمواجهة على امتداد الأرض الفلسطينية، وفي كافة المنابر والمحافل الدولية. ولا خيار أمام بينيت المتطرف وحكومته سوى ممرين إجباريين الأول ممر السلام الممكن والمقبول دوليًا وفلسطينياً، والثاني خيار العنف والفوضى والإرهاب، ولا ثالث لهما. لأن الشعب الفلسطيني مصمم على نيل حقوقه كاملة.

 

المصدر: الحياة الجديدة