إذا بحث المختصون عن السبل التي يراها معظم افراد المجتمع في بلادنا سبيلاً للوصول الى الشهرة والنفوذ، وإرضاء نزعات الذات ومسعاها الدؤوب وبكل الوسائل لتبوء مركز رسمي مرموق فتسلط عليه الأضواء، فنعتقد أن السياسة ومساراتها وتفرعاتها المتنوعة ستكون هي النتيجة وبنسبة عالية جدًا، لكن الأيام الثلاثة الماضية في التقويم الفلسطيني من الحادي عشر من أيار/ مايو، يوم الجريمة ضد الانسانية بحق الفلسطينية المقدسية الصحفية شيرين أبو عاقلة، إلى كل لحظة من نهار يوم الثالث عشر منه يوم ظهور (البحر الحي) في القدس، يوم طاف الفلك الفلسطيني (نعش الشهيدة شيرين) سابحا بقوة دفع أنفاس شعبنا، وتنقله أمواج المؤمنين بالوطن أولاً، والفخورين بشخصيته وهويته الحضارية، قد تدفع المجتمع إلى التوقف والتفكير مليًا، والارتقاء على أدراج الثقة للوصول إلى الحقيقة وهي أن النبل والوفاء والعطاء بلا حدود في حياة الانسان هي القواعد الثلاث التي ترتفع عليها ركائز وأعمدة (بناء الشخصية المحورية) فيرتقي من طبقها بصدق وإخلاص وتواضع ودون جعجعة أو اشهار للذات على حساب الفكرة والمبادئ، سيرتقي إلى سدة الشخصية الوطنية بكل مقاييسها، دون حاجة الى سلالم الخطاب والتنظير السياسي المباشر، وبذات الوقت سيصل الباحثون أن السياسي العامل على تطبيق هذه القواعد الثلاث في العمل السياسي المباشر سيكون شخصية وطنية بامتياز، وقد يرقى لأن يصبح رمزا، في هذا المسار، كما الرواد الرموز في مسارات الثقافة والعلوم والاجتماع وغيرها. 

وجهت روح الفلسطينية المقدسية الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة الأبصار وذوي العقول الى مكانة من يتخذ (النبل والوفاء والعطاء بلا حدود) منهجًا للتفكير والعمل والسلوك على الصعيدين الفردي والجمعي (الوطني)، ونعتقد أن فلك النبيلة الشهيدة شيرين الذي أبحر وسافر في (البحر الحي) الإنساني الفلسطيني في أرجاء فلسطين التاريخية والطبيعية، كان في الحقيقة ينادينا: اكتشفوا كنوزكم حتى في (البحر الميت) فكيف إذا البحر الذي تفجر في القدس شعبًا حيًا حمل فلكا في قلبه علم، وفوقه علم وعلى سواعد كالأعلام ظلت مرفوعة، رافعة لفلك شيرين رغم اعصار عسكر نفتالي بينيت العنصري وإرهابهم المنظم المدفوع بأوامره، وهمجية منظومتهم العسكرية والسياسية، فقد ثبت للقاصي والداني أن كنوز قارون كلها لا تساوي دماء نبيل فلسطيني شهيد، وأننا لا نبيع حرفًا أو كلمة من مبدأ الشعب الواحد، أو الهوية الوطنية، أو لونًا من ألوان العلم، أو حجرًا عتيقًا في بيت مقدسي، أو في كنيسة، أو في مسجد، فالقدس أول أمس جددت عراقتها الحضارية الإنسانية الفلسطينية، وجددت إيماننا بحقنا الطبيعي في الحرية والاستقلال والسيادة، فالروافد العظيمة النابعة من جنين ونابلس ورام الله وحيفا والجليل والنقب ومسافر يطا وكفرقدوم وبيتا، وللاختصار: من مشرق أرض الوطن (فلسطين) حتى مغربها ومن شمالها حتى جنوبها، وصبت في (بحر القدس الحي) قد أحدثت تغييرًا نوعيًا في جغرافيا الوطن السياسية، تغييرًا سيجرف كل من ظن نفسه قويًا، متسلحًا بعصبية فئوية، ومفاهيم عصبوية متطرفة، تمييزية، خارجة على قيم ومبادئ وآمال وأهداف الشعب، تغييرًا سيحكم بالإدانة الصريحة على كل المتفوهين بمصطلح الوحدة الوطنية لغاية تحقيق مكاسب خاصة شخصية أو حزبية فقط، فهؤلاء قد لفظهم البحر الحي، لسعيهم في كل مناسبة منع الوحدة الوطنية من التجسد نقية على حقيقتها كما هي أصلاً في قلوب ونفوس ووعي جماهير الشعب الفلسطيني، فالحدث التاريخي الوطني الذي شهدناه خلال الأيام الثلاثة الماضية وكانت ذروته في قدسنا الفلسطينية العربية لم يكن تشييعًا للفلسطينية النبيلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة كما هيأت لنا أبصارنا وحسب، بل إبداع شعبي تلقائي لمعاني الوطنية الفلسطينية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، والحاضرة في زماننا الذي نصنعه بنضالنا وصمودنا وحكمتنا وعقلانيتنا، ووطنية فلسطينية تحملنا إلى مستقبل حياة بسلام وبلا حدود.. كما حملت أمواج البحر الحي جسد شيرين أبو عاقلة إلى موطن السلام الأبدي لنفسها وروحها...ما أنبلك ياشيرين، فقد بعثت فينا الروح الوطنية انقى وأطهر وأقوى وأعظم.

 

المصدر: الحياة الجديدة