حينما يأتي الصّيف وتختفي الغيوم هاربة من القيظ يمرح أطفال العالم على شواطئ البحار في بلدانهم، ويبنون بيوتًا وقصورًا وقلاعًا وأهرامات من الرّمال، ويجرون وراء الكرات يرفسونها بأقدامهم، ويصفعون الطّابات الصّغيرة بالمضارب، ويغنّون ويرقصون ويأكلون الفواكه والمثلجات والشطائر، وأمّا أطفال شعبي في غزّة الّذين سرق الاحتلال طفولتهم ومرحهم وغناءهم وابتساماتهم، واغتصب الشّطائر الّتي أعدّتها أمهاتهم فتقصفهم الطّائرات الحربيّة بالصّواريخ والقذائف وتشوّه وجوههم الجميلة البريئة وتبتر أعضاءهم اليانعة وتشوي لحم أجسادهم الملائكيّة وتسلب أعمارهم.

وحينما يأتي المساء يعود أطفال العالم إلى بيوتهم الدّافئة الآمنة يسهرون ويسمرون وينامون ويحلمون أحلامًا سعيدة وأمّا أطفال شعبي في غزّة فيلتحفون الخوف ونعيق الغربان الفولاذيّة وينامون فيما تبقّى من بيت بين قذيفة وصاروخ وبين غارة وغارة وإذا ما غلب النّعاس الطّفل الغزّيّ نظر الى والدته متوسّلًا أن يكون قبره بجوار قبرها.

وحينما يأتي الصّباح وتسقسق العصافير في حدائق البيوت ويبتسم الطّلّ على الأزهار وتتجمّع الأسر حول موائد الفطور يشرب أطفال العالم الحليب ويتناولون الكعك والعسل والمربّى والبيض والخضار بمتعة وهناء وأمّا أطفال شعبي في غزّة فيأكلون الخبز المغموس بالدّم والغبار بعدما ناموا مع الرّعب والظّلام ونهضوا على دويّ الصّواريخ والهدم والدّمار.

ستّة وستّون طفلًا ملاكًا من أبناء شعبي في غزّة اغتالتهم طائرات وصواريخ الجنرالين غانتس وكوخافي في خلال أحد عشر يومًا من شهر أيّار 2021 وهم أحمد ومحمود ومروان ويحيى وآمنة وساهرة وباسمة وآمال، والتّهمة هي عربيّ فلسطينيّ. أنت أيّها الطّفل الإرهابيّ بالولادة عربيّ فلسطينيّ وأنت عربيّة فلسطينيّة، دمك رخيص وحياتك رخيصة، يغتالونك والعالم أبكم فلا أحد يسأل عنك!

الصّحافيّون ورجال الإعلام في قنوات التّلفاز الاسرائيليّ خلعوا إنسانيّتهم المزيّفة وظهروا عراة على حقيقتهم فلم يروا طفلًا قتيلًا ولم يسمعوا عن امراة قتيلة ولم يقرأوا عن عائلات كاملة أبيدت، ولا ينطقون كلمة واحدة تُدين القتل وتصوّر الجريمة، فالقتيل طفل عربيّ فلسطينيّ، وهو سليل صاحب الأرض في عسقلان ومحكوم عليه بالموت منذ ميلاده.

 ستّة وستّون طفلًا فلسطينيًّا قتلتهم الصّواريخ ومزّقت أجسادهم وكسّرت عظامهم واغتالت أحلامهم وهؤلاء الإعلاميّون لم ينبسوا ببنت شفة.

يأتي الصّيف كلّ عام، وتأتي الحرب كلّ خمس سنوات، وتغتال الطّائرات أطفالًا من أبناء شعبي في غزّة، وتتوقّف الحرب وتعود الحرب. وتتوقّف وتعود وتتوقّف وتعود.

وتغتال الصّواريخ أطفال شعبي. والأمّ الفلسطينيّة ولّادة، وغزّة باقية إلى الأبد، وشعبنا باقٍ إلى أبد الآبدين، وأطفال غزّة أنبياء هذا العصر وقربان الحرّيّة وطيور الجنّة تطارد أرواحهم القتلة وتغنّي للحرّيّة، ولا بدّ أن يطلع الفجر!