إن إقالة المبعوث الأميركي آدم بوهلر من منصبه مبعوثًا لشؤون الرهائن لم تكن بسبب غضب إسرائيل من انخراطه في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، لأن الإدارة الأميركية هي من اتخذت قرار بدء هذه المفاوضات، وليس بوهلر نفسه، مما ينفي أن إسرائيل قد اعترضت عليه لهذا السبب.
فالضجة التي أثيرت حول بوهلر لم تكن بسبب دوره في المباحثات، وإنما جاءت نتيجة تصريحاته المثيرة للجدل، حيث قال في مقابلة إعلامية: "أنا لا أعمل لدى إسرائيل أو حكومتها، بل أمثل المصالح الأميركية فقط".
إن هذا التصريح جاء في أعقاب مشادة كلامية حادة بين بوهلر ورون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية والمقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول مسألة اللقاء مع حماس.
فجاء هذا الإبعاد لبوهلر عن منصبه ذلك واستبداله بمنصب آخر، كان بمثابة مخرج مناسب لجميع الأطراف، إذ سعت واشنطن إلى تسهيل الوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار، ومنعت إسرائيل من استخدام قضية بوهلر ذريعة لإفشال المباحثات.

إلا أن الولايات المتحدة أرادت من خلال هذه المفاوضات استكشاف مدى استعداد حماس للتنازل عن السلطة وتسليم سلاحها، وليس فقط التوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين الأميركيين والإسرائيليين في غزة.
فالمفاوضات، التي بدأت بملف الأسرى الإسرائيليين حاملي الجنسية الأميركية، شهدت أربعة اجتماعات، إثنان منها سريّان، وامتدت لتشمل قضايا أوسع تتعلق بمستقبل غزة بعد الحرب.
كل ذلك كان تعبيرًا بارزًا على أن مركز الثقل في الملف الفلسطيني انتقل بشكل واضح من تل أبيب إلى واشنطن، مما يعكس تراجع ثقة الإدارة الأميركية بنتنياهو ولجوءَها إلى القنوات الخلفية مع حماس، وهو ما يُشكل رسالة ضمنية لنتنياهو بأن واشنطن مستعدة للتحرك إذا لم يكن قادراً على اتخاذ خطوات جدية.
سواء هذا أو ذاك، فإن المفاوضات أسفرت عن طرح مقترح جديد عُرف باسم "منحى ويتكوف"، والذي يشمل الإفراج عن خمسة أسرى إسرائيليين أحياء وعدد من الجثث مقابل هدنة تستمر بين 50 إلى 60 يومًا، بالإضافة إلى الإفراج عن أسرى فلسطينيين وفق الاتفاق، مع البدء مباشرةً في التفاوض على المرحلة الثانية من الصفقة.
بالمقابل قدمت حماس مقترحًا ذكيًا يعكس فهمها العميق للخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث لم ترفض مقترح ويتكوف بالكامل، بل قدمت عرضًا جديدًا يعمّق التمايز بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، مما وضع حكومة نتنياهو في موقف محرج، ودفعها لعقد اجتماع للكابينيت الإسرائيلي لمناقشة التطورات.

إن الاقتراح الحمساوي أضاف مرحلة انتقالية،  مرحلة بين المراحل، بين تمديد وقف إطلاق النار وبين  الانخراط في المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو ما يمنع إسرائيل من التهرب من التزاماتها.
في المقابل، تطالب إسرائيل بالإفراج عن 11 أسيرًا حيًا، بالإضافة إلى 16 من الجثث، وتمديد وقف إطلاق النار دون التزام واضح بالمرحلة الثانية من الاتفاق، أو الانسحاب من محور فيلادلفيا.
إن مساحة المناورة والتلاعب الإسرائيلي باتت ضيقة للغاية، وأن هناك إمكانية لتجسير الفجوات بين الأطراف، كما لمح المسؤول الأميركي ويتكوف إلى إمكانية رفع عدد المحتجزين الأحياء المفرج عنهم إلى اثنين أو ثلاثة، لضمان قبول إسرائيل بالصفقة مع حفظ ماء وجه نتنياهو.
وبهذا السياق، علينا عدم التقليل من تأثير تهديدات الحوثيين، الذين أعلنوا أنهم سيبدؤون بتنفيذ عمليات جديدة صباح الأحد إذا لم يتم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما قد يكون له تأثير مباشر على قرار الكابينيت الإسرائيلي بشأن الهدنة واستمرار الحرب.