أطلقت القدس الانطلاقة الثالثة لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية التي ابتدأتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في اول يوم من العام 1965، حيث أعادت صياغة القضية الفلسطينية من قضية لاجئين إلى قضية تحرر وطني لشعب يمتلك جذورًا هي الأعمق في أرضه التاريخية والطبيعية، ويمتلك من الشواهد الحضارية ما يكفي للإقرار بحقوقه، واتبعتها بانطلاقة ثانية في 21 آذار في العام 1968 بمعركة صمود ومقاومة أسطورية كسرت فيها قواعد وركائز الهزيمة والنكسة التي عششت في نفوس الأمة، وغيرت وجه المنطقة بالثقة والإيمان بالذات الوطنية والقومية واستعادة زمام المبادرة في العمل الكفاحي ضد القاعدة الاستعمارية الكبرى التي أنشئت في قلب الوطن العربي على شكل دولة سميت (إسرائيل). 

لن تقف الانطلاقة الثالثة عند حدود  تطوير قواعد الصراع والاشتباك مع منظومة الاحتلال الاستعماري الصهيوني الإرهابي وحسب، بل ستتجاوزها إلى حد إقناع رؤساء هذه المنظومة بإعادة حساباتهم، فلا جرائم الحرب ضد الإنسانية التي كان الشعب الفلسطيني ضحيتها أخضعتنا، ولا استسلمنا لإرهاب الدولة وقوانينها العنصرية المسماة (القومية)، ويجب أن نستمر حتى يتأكدوا أن شعورهم بالخطر المهدد لوجودهم حقيقة واقعية إلى أن يتخلوا عن أداء وظيفة الخدمة للقوى الاستعمارية والاستجابة لقرارات الشرعية الدولية لتحقيق السلام. 

هيأ شباب القدس الوطنيون للشعب الفلسطيني أسباب الانطلاقة الثالثة، عندما قادوا الحراك الشعبي وتصدوا لمنع سلطة الاحتلال من استكمال تنفيذ خطة بلفور الثاني ترامب بتكريس القدس عاصمة لمنظومة الاحتلال، واستطاعوا حتى اللحظة إيقاف تقدم عجلة المشروع الصهيوني المتحركة على سكتي تهجير الفلسطينيين وإحلال المستوطنين اليهود، كما بثوا صور وعيهم وانتمائهم الوطني والفخر بهويتهم الوطنية الفلسطينية شعاع الانطلاقة حتى بلغ إشعاعها كل بقعة من أرض فلسطين التاريخية والطبيعية.. وضمنوا ألا تتوقف عقارب ساعة الزمن الفلسطيني وألا تعود للوراء، حتى لو استخدم الحمقى المتحكمون بمنظومة تل أبيب كل (أسلحتهم الذكية)!!، فالانطلاقة الثالثة تجاوزت المسميات الجغرافية في الوطن، واستجاب الفلسطينيون في كل فلسطين وخارجها لنداء القدس وتوحدوا لإعلاء كلمتها. ولنا في الاستجابة الشاملة لدعوة لجنة المتابعة العربية للإضراب مثال آخر. 

يقبر الشعب الفلسطيني في هذه الأيام خطة ترامب الاستعمارية (صفقة القرن) بعد إسقاطها بالضربة القاضية المميتة، ويدفن معها محاولة نتنياهو الأخيرة في تكريس وعد بلفور الثاني (دونالد ترامب) وخطته الاستعمارية باعتبار القدس عاصمة لدولة منظومته، ويبرهن للعالم أن هذه (الإسرائيل)  ليست أكثر من قاعدة استعمارية،  يُستخدَم فيها يهود مضللون كالبيادق ويزجون في دوائر صراع وحروب ومعارك، فيرتكبون جرائم حرب وضد الانسانية كما أقر بذلك الطيار السابق المستقيل  يوناتان شابيرا .. من فضلكم ابحثوا عن الفيديو وشاهدوه. 

تبدد الانطلاقة الثالثة لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية وتبخر مستندات رواية رئيس حكومة  منظومة الاحتلال نتنياهو بإمكانية إجبار قيادة الشعب الفلسطيني على الخضوع لشروطه عبر تطويقها (باتفاقيات ابراهام التطبيعية)، وبأن السلام مع العرب أولا سيجلب السلام لكيانه، وأن الفلسطينيين سيتنازلون ويتراجعون عن ثوابتهم، ونعتقد أن هذه الانطلاقة ستضعف ثقته أكثر بإمكانية استمرار رجوح الكفة لصالح منظومته  فثقل القوى الدولية المساندة والداعمة لمنظومته الاستعمارية لن يبقى على حاله، شرط استخدام وسائلنا الكفاحية المشروعة بحكمة وانضباط ووعي وشجاعة أيضًا. 

كما تبدد الانطلاقة الثالثة لثورة الشعب الفلسطيني في هذه اللحظات التاريخية ملامح صورة نمطية رسمها المستعمرون، خطوطها العريضة أن الرفاهية المادية والاقتصادية وبعض الحقوق السياسية ستسلبهم الايمان بالانتماء والهوية والنضال من أجل انتزاع الحرية والاستقلال والسيادة، لكنهم سيعلمون أنهم بعدوانيتهم وجرائمهم اللامسبوقة قد سرَعوا عملية مخاض ميلاد الحرية والتحرر بمعيار تقدم الوطنية الفلسطينية وتراجع وانكفاء المشروع الصهيوني، فنحن نعتبر أنفسنا في قيامة جديدة مجيدة، أما هم فتراهم ينذرون أنفسهم بوقوعهم في حقول ألغام زرعوها بأيديهم، لكنهم فقدوا خرائطها وعلاماتها حتى باتت قدرتهم على المناورة محدودة. 

القدس إذن كانت كلمة السر، الإشارة، الشرارة والمنارة، بلغ إشعاعها مدن وقرى فلسطين التاريخية والطبيعية كل فلسطين، فاليوم لم يعد مستساغًا الحديث عن تقسيمات جغرافية كادت مؤامرة دولية إقليمية إسرائيلية أن تكرسها كواقع نهائي للشعب الفلسطيني وأرض وطنه فلسطين، ولرؤيتنا حول هذه الانطلاقة الثالثة بقية.