"القدس خط أحمر لن نقبل المساس بها"، كانت في هذه الليلة الوطنية بامتياز ملخص رسالة الشعب الفلسطيني العملية  على الأرض، لم تكن خطابية على المنابر أو حبرًا على ورق، وإنما تعبير عن شهادة الإيمان بالوطن نطقها وأعلنها نيابة عن كل الشعب الفلسطيني، رئيسه وقائد حركة تحرره الوطنية الرئيس محمود عباس أبو مازن، رسالة موجهة مباشرة إلى منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري  المسماة (إسرائيل). 

تشهد القدس صراعًا بين إرادتين وقوتين وسيبقى مستمرًا حتى تحل واحدة مكان الأخرى، "فقانون الطبيعة لا يحتمل وجود حجمين في مكان واحد"،  كما كتب الرئيس أبو مازن في أحد كتبه، وكذلك القدس، فإما أن تكون فلسطينية عربية، مدينة السلام، مدينة الله المقدسة أو أن تصير- لا سمح الله  ولا سمح شعب فلسطين - مدينة لصوص وغزاة مستعمرين إرهابيين عنصريين يسعون لتدمير تاريخها الإنساني الفلسطيني العربي المسيحي والإسلامي، وتزييف حاضرها، وجعلها رمزًا لسيطرة قوى الاستعمار على هذه المنطقة الحضارية من العالم، فالقدس كانت هدف إمبراطوريات قريبة وبعيدة قديمًا وحديثًا ومازالت، وما اعتبار دونالد ترامب القدس عاصمة لمنظومة الاحتلال إسرائيل إلا مثال على طموحاته العملية ليصبح (إمبراطور العالم) انطلاقًا من السيطرة الكاملة على القدس ومن حولها كل دول المنطقة، لكن الشعب الفلسطيني وجه صفعة لترامب تعادل صفعات الدول العظمى ولكن دون جيوش وأسلحة نووية، ومثل هذه الصفعة وجهها الشعب الفلسطيني لبنيامين نتنياهو الحالم بأن يصبح (إمبراطور إسرائيل)، ولتحالف الإرهاب والجريمة ضد الإنسانية والعنصرية المسمى (اليمين الإسرائيلي)، وقد نشهد آثار انتصار الفلسطينيين المقدسيين في معركة باب العامود هذا الحلف في الأيام القادمة. ونعتقد أن ردع الشباب المقدسيين للمستوطنين كما برزت في مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، سيكون لها آثار نفسية عميقة  عليهم بعد سنوات من الاستكبار والعدوان  مارسوه بحراسة جيش منظومتهم التي صنعتهم ليكونوا أدواتها، فذلت صناعتهم، وخابوا بما صنعوا، فانهزموا عند أول مواجهة ميدانية، حتى أن الشباب الفلسطينيين النابتين من تربة هذه الأرض الطيبة  قد منعوا حركة  الغزاة المستوطنين عن شوارع المدينة، فراحوا يستقوون على نساء وأطفال عائلات آمنة لإرضاء غرائزهم العدائية. 

منحت معركة القدس الأخيرة برهانًا إضافيًا على صواب خيار المقاومة الشعبية السلمية المسلحة بإرادة وصبر وعمل وعزيمة وثبات وإصرار على تحقيق الأهداف، وزادت معدل الامتياز على معارك سابقة كما حدث في قصة صمود قرية الخان الأحمر بمقاومة شعبية وطنية في البوابة الشرقية للقدس، وتحدث في العراقيب في النقب، وحمصة في الأغوار ومن قبل في بلعين ونعلين، ولا ننسى ما حدث في 30 آذار/مارس عام 1976 وشهداء يوم الأرض في عرابة وسخنين وكفركنا والطيبة، يوم هب شعبنا من الجليل وحتى النقب انتصارًا للأرض الفلسطينية، فهذه المعارك التي يخوضها الوطنيون الفلسطينيون تمنح الفرصة تلو الأخرى للمترددين في الانخراط  بهذا الشكل من المقاومة لإعادة النظر في تقديراتهم ومواقفهم وسياساتهم، فالمواطنون المقدسيون أجبروا منظومة جيش الاحتلال على رفع الحواجز كما أجبرت على إزالتها في معركة بوابات الأقصى قبل سنوات، فالاحتلال حتى وإن امتلك قدر القوة المسلحة فإنه لا يستطيع مواجهة شعب امتلك الحق التاريخي والطبيعي في أرض وطنه فلسطين، الحق الذي نستمد قوتنا اللامحدودة منه، التي بتنظيمها وحسن توجيهها سنتمكن من رسم أقدارنا على أرض وطننا فلسطين وفي القلب منها القدس. 

استجاب القدر للمواطنين الفلسطينيين المقدسيين في الحياة، وهيأ لرجالهم ونسائهم في مدينة الله المقدسة لقدرهم المؤيد بالحق الأبدي ما يكفل لإرادتهم وعزيمتهم وصبرهم وعملهم الوطني الخالص تحقيق انتصار على غزاة محتلين مستعمرين عنصريين نشروا الرعب والإرهاب في المدينة المقدسة، فكان انتصار الوطنية ومبادئ الحرية والكرامة الإنسانية على الخارجين على قوانينها، وانتصار على من يحاول إخضاع الناس لقدره الذي ليس فيه إلا السلاح الفولاذي الناري الحارق المدمر لغة، والجريمة ضد الإنسانية فعلًا وسلوكًا يوميًا، كان نصر أنزل فيه المقدسيون السلام الفلسطيني على باب العامود وأدراجه التاريخية.