أكتب هذه المقالة ظهيرة امس الثلاثاء الموافق 23/3 2021 وحركة التصويت في صناديق الاقتراع مازالت ضعيفة، ويشوبها الانخفاض وعدم الحماس. بيد أن ذلك قد يتبدل في الفترة المسائية، وتزداد وتيرة الإقبال على الصناديق. لكني سأستبق نسبة التصويت الإجمالية، واذهب للاعتقاد، أنها ستكون بسمة عامة ضعيفة في هذه الجولة من الانتخابات، لأكثر من اعتبار، منها: أولًا استياء الشارعين الإسرائيلي الصهيوني والفلسطيني العربي من العملية الديمقراطية، ليس رفضًا لها، ولكن رفضها يعود لاستسهال القوى والكتل في التصويت على حل الكنيست. لا سيما وان هذه هي الجولة الرابعة خلال أقل من عامين؛ ثانيًا لتشتت وتمزق القوى والكتل المشاركة في الانتخابات، والتي حصرت أخيرًا ب37 قائمة، قد تتمثل 13 قائمة منها في الكنيست ال24؛ ثالثًا رغم ميل الشارع الإسرائيلي الصهيوني لصالح نتنياهو الفاسد لتولي رئاسة الحكومة، الذي تمنحه استطلاعات الرأي نسبة تصل ل40%، غير أن نسبة تزيد على ال50% (56%) لا ترغب بتوليه رئاسة الحكومة لأكثر من اعتبار منها: الفساد المالي، والأخلاقي، والنرجسية المفرطة، وفشله في إدارة الحكم، وعدم تمكنه من معالجة أزمات الكورونا والاقتصاد، وضربه ركائز القضاء، وتحويل الدولة لحديقة خلفية لآل نتنياهو؛ رابعًا عدم تمكن شخصية صهيونية من إقناع الشارع الإسرائيلي بإمكانية منافسة نتنياهو.

والنتيجة التي يمكن أن تفرزها عملية الانتخابات ستكون مشوشة وضبابية، غير محددة المعالم. مع أن عدد مقاعد اليمين المتطرف في البرلمان قد تصل إلى 80 مقعدًا. لكنها موزعة على قوى متنافسة ومتناقضة، ولا تقبل القسمة على شخصية كرزماتية مثل نتنياهو. والعديد من زعماء الكتل يفترض في نفسه الأهلية لمنافسة رئيس الحكومة الفاسد أمثال ساعر وبينت وقبلهم لبيد. لكن نتائج إستطلاعات الرأي أشارت إلى عدم تمكنهم من استقطاب الشارع الصهيوني، بل العكس صحيح. وبالتالي لم يبقَ في الميدان إلا حميدان، أي ساكن شارع بلفور. لكنه حتى لو حصد نتنياهو 61 مقعدًا، فلن يكون بمقدوره الحكم كما يجب، وسيكون على رأس حكومة هشة وضعيفة، ومعرضة للسقوط في كل لحظة. كما ان بدء محاكمته في نيسان / أبريل القادم لن يسمح له قيادة الحكومة وفق الأصول المرعية. لأن تواجده في المحكمة 3 مرات أسبوعيًا سيكون على حساب الملفات الأساسية، وبخلاف ما سيبرز من ملفات جديدة، ومن أبرزها ملف محكمة الجنايات الدولية، والعلاقة مع إدارة بايدن، وإمكانية حدوث تطورات دراماتيكية على إحدى الجبهات الشمالية أو الجنوبية، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية والكورونا والملف الإيراني.. إلخ

الواقع الإسرائيلي الماثل قبل الانتخابات، وبعدها لا يوحي بإمكانية خروج دولة الاستعمار الإسرائيلية من الأزمة العميقة، التي تعيشها. لأنها أزمة تتجاوز شخص رئيس الحكومة الفاسد، وإن كان هو شخصيًا منذ عامين وأكثر بات يرمز لها، ويعتبر خروجه من الحكم بالنسبة للعديد من القوى الصهيونية والفلسطينية في ال48 مفتاحًا لفكفكة عناوينها. لكن الحقيقة أن جوهر الأزمة ليس كذلك، نعم نتنياهو العنوان الشكلي لها، لكن الأزمة اعمق من بقاء أو غياب الملك الفاسد، لأنها مرتبطة ببنية المشروع الكولونيالي الصهيوني برمته، وبالتركيبة الإجتماعية والإثنية والدينية للمجتمع الإستعماري ذاته الآخذة بازدياد وحدة الاستقطاب والاستحواذ نتيجة صعود قوى اليمين المتطرف، واتساع حضور ونفوذ اليهود الصهاينة الشرقيين ومعهم قطعان المستعمرين، وللصراع بين اليمين المتطرف ومعه الحريديون وما يسمى الصهيونية الدينية بن غفير وسموتيرتش الكهانيين الفاشيين والقوى الصهيونية العلمانية الليبرالية والمحسوبة شكلا على ما يسمى "اليسار، أو يسار الوسط (المركز)"، وقبل هذا وذاك الصراع القومي التاريخي مع الشعب العربي الفلسطيني.

خلاصة القول والتقدير السابق لإعلان النتائج النهائية لفرز الأصوات، ان اسرائيل ماضية بقوة نحو انتخابات خامسة، ولن تتمكن من الخروج من عنق الزجاجة، وأمامها واحد من خيارين، لأن الانتخابات الخامسة لن تخرجها من أزماتها، وبالتالي هناك ممر إجباري الذهاب للحرب على إحدى الجبهات، أو إعادة الإعتبار لمكانة الدولة بمرتكزاتها الأساسية. والأخير لم يعد ممكنًا في ظل سيطرة اليمين المتطرف والحريديين ومن لف لفهم من قطاع الطرق المستعمرين. وقادم الأيام وحده الكفيل بتقديم الجواب.