قد لا يدرك مجتمع السياسيين المتطرفين الإسرائيليين ماذا ينتظرهم في المخرج النهائي للمتاهات التي أدخلهم فيها نتنياهو بعد ثلاث محطات انتخابية في أقل من عامين، أما الرابعة فستنظم هذا الشهر، فأقل التصورات والتقديرات أن نتنياهو معني برؤية كل من حوله مشرذما مقسما، ونعتقد أنه من أجل الحفاظ على ذاته لم يعد يعنيه إن كانت الكارثة واقعة نتيجة لسياساته المتهورة في الساحة الفلسطينية أو في مركز الساحة الإسرائيلية، فنتنياهو يبدو كمن يلعب بالنار وسط محيط قابل للانفجار نتيجة أي شرارة يطلقها هنا أو هناك.. فالرجل بات مدمنا على تصنع الأسباب لإطلاق الكوارث في الاتجاهات المصممة سلفا عنده والضامنة لإبقاء حالة الردع استجابة للخوف الوجودي الذي بات أهم أسهم نتنياهو للعب في بورصة السياسة في تل أبيب، فالإسرائيليون باتوا معنيين بمن يشبع رغبتهم في التفوق والسيطرة، ويعمل على تنكيس مؤشر الرعب من مستقبل مجهول إلى أدنى مستوى، علما أن معيار هذا المستقبل مجهول فقد يكون يومًا وقد يكون سنة وقد يكون عقدًا وفي أحسن الأحوال فإن نتنياهو يحلم بأن يكون حوالي ربع قرن من الآن، فهو يعتبر وصول (إسرائيل) لعمر المئة عام إنجاز غير مسبوق، فإذا به يعترف بأن عمر الطغاة قصير.
سترسم الانتخابات الإسرائيلية القادمة صورة إسرائيل المنفرطة سياسيا لكنها ملحومة ومربوطة بمنظومة سلاح واستعمار وقوانين عنصرية هي في حكم التاريخ مؤقتة بخلاف الدول والشعوب الحضارية التي مهما اشتدت عليها الأحداث تعود إلى عهدها رغم ما يصيبها من تصدعات وشروخ فقواعدها متينة لا تنهار وهنا ما لا يتوفر في منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري (إسرائيل) وسيتأكد العالم القريب جدا من هذه المنظومة أنه يساند ائتلاف مافيات متخفية بأقنعة سياسية، تستغل المجتمع الإسرائيلي وتضعه يوميا في دائرة خطر وجودي، فقط لأن ائتلاف المافيا مصمم على اغتيال الشرعية الدولية كلما لاحت فرصة لتجسيدها، ويرفض الاستقرار والسلام في المنطقة والانصياع للقوانين والقرارات الأممية واتفاقيات ومواثيق الشرعية الدولية.
قد تدخل الانتخابات الإسرائيلية المجتمع الإسرائيلي في مرحلة سوداوية، بقصد منع رؤية واضحة للحاضر والمستقبل، وتأجيج العدائية للشعب الفلسطيني، وتدمير كل السبل المؤدية لتجسيم حقه في تقرير مصيره وإنجاز استقلاله الوطني في دولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ساسة الحرب والاحتلال والاستيطان والقوانين العنصرية الصاعدون إلى سدة الحكم، سيحولون المجتمع الإسرائيلي إلى حاضنة لمجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانية، خاصة أن الأحزاب اليمينية المتطرفة المتكاثرة كالوباء أرضية متوفرة تهدد حال تمددها وتحركها في المنطقة مركز المنطقة الحضارية في الشرق الأوسط والحيوية للعالم، فالنزعة العنصرية قوة تدميرية تفوق كل ما عرفته البشرية من تكنولوجيا الحرب المدمرة ولنا في النازية والفاشية مثالًا قريبًا ما زالت آثاره حاضرة في ذاكرة الأمم منذ الحرب العالمية الثانية.
نشهد هبوطًا حادًا في وعي المجتمع الإسرائيلي الذي لا يدرك حتى الآن أنه سيكون مسؤولا أمام محاكم التاريخ والمجتمع الدولي والقانون الدولي عن مساندته لساسة ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية باتت موثقة ومعروفة وما زالت ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.. وعلى هذا المجتمع الإدراك أنه لا يستطيع الهروب من المسؤولية التاريخية ولا التحرر من الخوف والرعب التي يدسها ساسته في كل وجبة يتناولها الفرد في إسرائيل إلا عبر منفذ واحد لا ثاني له، منفذ القناعة بالسلام وجدواه. فالنمو السريع للتطرف والإرهاب العنصري في لدى الساسة في حكومة منظومة الاحتلال إسرائيل يلزم العالم بالتدخل فورًا لإيقاف انفجار سيمحو معالم الطريق المؤدي إلى محطة السلام، وشرق أوسط مستقر ومزدهر بلا صراعات وحروب.
على المجتمع السياسي الإسرائيلي الوقوف والتفكير واجتثاث جذور الغرور والتفوق التي غرسها فيهم رؤوس المشروع الصهيوني، لأن استمرار الاحتلال والاستعمار الاستيطاني وسياسة التمييز العنصري والتهجير والقتل والحرب والعدوان والمجازر والتدمير الممنهج لمقدرات حياة الشعب الفلسطيني، وتهويد مقدساتهم ومعالم مدنهم وقراهم سيكون انخراطا في شبكة العداء للإنسانية وحضارتها، وليس للشعب الفلسطيني فحسب، وعلى هذا المجتمع العلم وبلوغ اليقين بأن قوة في الأرض لن تمنع الشعب الفلسطيني من التراجع عن ثوابته وعن خيار تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة وتطبيق حق العودة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها