ليس ثمة نصر ينهض من فوق جثث الضحايا الشهداء، ومن بين ركام بيوتهم التي دمرت فوق رؤوسهم. ليس ثمة منتصرون يبصمون على ورق سقطت منه كل معطيات النصر، وحقيقته، ورق بصياغات أطاحت بكل خطاباتهم التي وعدت بالخلاص والتحرير من غزة، حتى دمشق وبغداد. لا جدال في ذلك بطبيعة الحال، فالنصر ليس مجرد كلمة، ولن يكون أغنية دون وقائعها على الأرض، ولن يكون راية ما لم تكن فوق روابي البلاد المحررة، فوق مآذن القدس، وأسوارها، وأبراج كنائسها، ما ثَمَ نصر دون ذلك، لكن مع المكابرة والخديعة معًا، بوسع اللغة وكلمات ظلت مفرداتها، رهن الرغبات، والفبركات، بوسعها أن تدبج الخطاب وبغطرسة حمقاء نصرًا لا يشق له غبار. وكان هذا هو خطاب خليل الحية، إثر الإعلان عن توقيع اتفاق هدنة، بين "حماس" وحكومة الحرب الإسرائيلية، هدنة فحسب، لا اتفاق لوقف الحرب.

أكثر من 200 ألف ضحية من أهلنا في قطاع غزة باتوا شهداء وجرحى، وركام البيوت والمباني على طول القطاع وعرضه، ولو قاد هذا الواقع البليغ، إلى تحرير الأقصى، أو حتى على أقل تقدير إلى منع اقتحاماته من قبل المستوطنين، ولو أنه أفرغ سجون الاحتلال كلها من أسرانا البواسل، ولجم عدوانية المستوطنين، في الضفة الفلسطينية المحتلة، لقلنا لقد أثمر دم الشهداء نصرًا حقيقيًا، وما ذهبت هذه التضحيات سدى، بل ولزدنا على ذلك، أن هذا النصر هو الذي طالما انتظرناه، بحكم أنه الذي سيصعد بخطى شعبنا الكفاحية نحو دحر الاحتلال، وإقامة دولته الحرة المستقلة، من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية.  

وإن كنا وما زلنا نتطلع لاتفاق ينهي الحرب تمامًا، ويلجم عدوانية إسرائيل العنصرية بكل أشكالها، ويلزمها بقرارات الشرعية الدولية، لحل عادل للقضية الفلسطينية، وسلام دائم في الشرق الأوسط، إن كنا ما زلنا، وسنبقى نتطلع، ونعمل، ونناضل من أجل ذلك، إلا أننا مبتهجون لابتهاج أهلنا في قطاع غزة الذبيح بالهدنة، لأجل أن يتوقف سفك الدماء، وتعيد لهم بعضًا من الوقت لتفحص جراحهم ومداواتها، وإعادة ترميم خيامهم، قبل ترميم بيوتهم المدمرة، وتفقد الركام وزحزحته لعلهم يهتدون لجثامين شهداء، ما زالوا تحت الركام.

لا نصر مع هذه الهدنة، التي لا تبدو حتى بأنها استراحة مقاتلين، والاتفاق ينص على خروجهم من القطاع، على دفعات، مع ثلاثة من عوائلهم. في كل دفعة ولكل فرد منها. أيخرج المنتصرون من بلادهم ويبقى المنهزمون محتلين لها؟.