توصل الوسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة إلى صيغة وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وقد لاقت هذه الصيغة قبولاً واسعًا لدى أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، لأنها تؤدي إلى وقف المجازر التي تقوم بها إسرائيل يوميًا في قطاع غزة. وفي تناقضٍ صريح مع هذه الغاية، أعلن خليل الحية عقب توقيع الاتفاق بأن الحركة ستستمر في معاركها ضد الاحتلال حتى التحرير في الوقت الذي استمرت فيه حماس بالمطالبة بوقف إطلاق النار منذ الساعات الأولى للسابع من أكتوبر من العام الماضي.
- في الواقع، ومن وجهة نظر سياسية، يعتري الاتفاق العديد من الثغرات المهمة، وأهمها:
1- إن الاتفاق لا يمثل سوى إعلان مبادئ حول وقف مؤقت لإطلاق النار ولا ينهي الحرب، بل على العكس تحتفظ إسرائيل بحقها في إنهاء حالة وقف إطلاق النار في حال لم تلتزم حماس بشروط المرحلة الأولى من الاتفاق، أو في حال لم يتم التوصل إلى صيغة متوافق عليها للمرحلة الثانية والثالثة.
2- إن حركة حماس وكما أنها انفردت في قرار السابع من أكتوبر، فإنها أيضًا انفردت بقرار التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل دون الرجوع إلى منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
3- إن الاتفاق يبعد مئات الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام المؤبدة إلى الخارج، وهذه سابقة خطيرة تعطي الحق لإسرائيل في إبعاد الناشطين والأسرى المحررين خارج وطنهم فلسطين.
4- إن الاتفاق لم يأتِ بجديد عن صيغة الاتفاق التي عرضها الرئيس الأميركي بايدن في الأول من حزيران الماضي.
5- إن ملف إدارة معبر رفح يشكل ملفًا عالقًا في الوصول إلى اتفاق نهائي، حيث تصر حماس على إعادة توليها إدارة المعبر بينما تؤكد القاهرة على تولي السلطة الوطنية الفلسطينية المعبر وفقًا لاتفاق عام 2005 بين السلطة الوطنية ومصر والاتحاد الأوروبي. وبرغم ذلك، فإن الاتفاق تحاشى تحديد نص هذه الاتفاقية كمرجع لإدارة المعبر، وأشار فقط إلى أن معبر رفح سيدار وفقًا لمشاورات أغسطس/آب مع مصر. وهذه صيغة مبهمة وغير قانونية ولا تصلح لكي تكون مرجعًا في الاتفاق.
6- إن الاتفاق لم يذكر أي بند عن جرائم الاحتلال والإبادة الجماعية في قطاع غزة بما يفرط من حق الشعب الفلسطيني في الملاحقة القانونية لإسرائيل وضباط جيشها الذين قاموا بهذه الجرائم.
7- إن التعمد المقصود في الاتفاق لتجاهل الحديث عن اليوم التالي بعد العدوان، سوف يشكل حافزًا لحماس بأن تلعب دور الوكيل للاحتلال في القطاع من أجل تجنب حالة لا تكون فيه المسيطرة على القطاع.
8- إن الاتفاق لا يتضمن بتاتًا انسحاب إسرائيل من القطاع، وإنما ينص على إعادة تموضع قوات الاحتلال الاسرائيلي خارج الأماكن السكنية وفي بعض مناطق محور فيلادلفيا.
9- إن الاتفاق ينص على قيام إسرائيل بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الفلسطينية مع إسرائيل بعمق يصل إلى 800 م وبطول 62 كم. بمعنى آخر، إنه يتضمن موافقة حماس على اقتطاع أكثر من 16% من مساحة غزة.
10- لم يتضمن الاتفاق أي آليات تنفيذ أو جهة تراقب عملية التنفيذ، وهذا يترك المجال لإسرائيل بأن تنتهك الاتفاق متى تشاء.
11- إن الاتفاق ينص على خروج آمن لعناصر حماس من غزة، حيث تتضمن النسخة الإسرائيلية من الاتفاق خروج 50 مسلحًا من حماس مع ثلاثة مرافقين لكل واحد منهم، وليس شرطًا أن يكونوا جرحى، ويقدر عدد هؤلاء الذين سيخرجون خارج غزة وفقًا لهذه المعادلة بنحو 18 ألف مسلح خلال نهاية المرحلة الثانية من الاتفاق. وهذا يشير إلى صيغة توهم بحفظ ماء الوجه لحماس للخروج من غزة مع تعهد وضمان بعدم ملاحقتهم وعدم تجميد أموالهم.
12- لم يتحدث الاتفاق عن وقف التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولا على وقف تهويد القدس، وكأن غزة ليست جزءًا من الدولة الفلسطينية، وهذا بدوره يكرس الانقسام من جهة، ويفرط في حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة لاجئيه من جهة ثانية.
في النتيجة، علينا أن نكون حذرين من التفاؤل بنتائج هذا الاتفاق، وليس من المستغرب أن يتم اختراقه في المرحلة الأولى، وليس مستغربًا أيضًا ألا يتم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين في المرحلة الثانية. إنه اتفاق هش، ولا يلبي طموح الشعب الفلسطيني الذي تعرض لمسلسل الإبادة الجماعية على مدار الخمسة عشر شهرًا السابقة. ولن يكون أبدًا اتفاق انتصار كما يحاول البعض تصويره.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها