كثير من العوامل الذاتية والموضوعية تداخلت في تكريس استحقاق الانتخابات بمستوياتها الثلاثة: البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني، حتى أخذت عجلة العملية الديمقراطية تتحرك على أكثر من مستوى وصعيد داخل كل فصيل، وعلى المستوى الوطني وفي مختلف التجمعات داخل الوطن وفي الشتات والمهاجر. لإدراك الجميع أن الانتخابات مصلحة جامعة للكل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني والثقافي، وهي معركة لتعزيز الديمقراطية في الساحة، وتجديد شرعية النظام السياسي، وخطوة مهمة على طريق المصالحة، وتعميق دور المواطنة الفلسطينية الواحدة بعيدًا عن النزعات الفردية والشللية والجهوية والعشائرية والقبلية والفصائلية والأجندات المختلفة، وتصليب مكانة الهوية الوطنية الجامعة على أرضية برنامج وطني في مواجهة التحديات الصهيونية.
في هذا الخضم تحتل موضوعيًا حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" مكانة مركزية لأكثر من اعتبار: أولًا كونها صاحبة الطلقة الأولى، ومفجرة الثورة عام 1965؛ ثانيًا قائدة المشروع الوطني حتى اللحظة الراهنة؛ ثالثًا لثقلها المركزي في الساحة على الصعد القيادية المختلفة في منظمة التحرير والدولة الفلسطينية وفي الداخل والشتات والمهاجر؛ رابعًا وقوفها على رأس الشرعية الوطنية محليًا وعربيًا ودوليًا. رغم صعود وهبوط، تقدم وتراجع القوى السياسية المنافسة لها في المراحل والمحطات التاريخية المختلفة.
لكن الحقائق الماثلة في المشهد الفلسطيني ليست مطلقة، إنما نسبية ومتحولة التصاقا بالمتغيرات على المستويات المختلفة، خاصة في الحقل التنظيمي والوطني العام، وانسجاما مع قانون "الحركة مطلقة، والسكون نسبي"، وبالتالي ما كان صالحًا اليوم وأمس، ليس بالضرورة أن يكون مقبولًا غدًا. وحتى تحافظ أية قوة سياسية على مكانتها ووزنها وثقلها في الساحة، عليها أن تواكب التطورات، وأن تعزز حضورها الدائم، وتحرص على تبوئها مركز الصدارة في مختلف مجالات الحياة، وتكون على تماس يومي مع قطاعات الشعب المختلفة، وتقف على نبض الجماهير، وتعبر عن مصالحها وأهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنضالية.
وتتجلى مكانة القوى المختلفة بشكل واضح في المعارك الانتخابية، كونها تعكس ثقلها وحجومها في أوساط الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية، وقطاعات المجتمع كافة. ولهذا أرى أن على حركة فتح، وهي تتقدم نحو الانتخابات بمستوياتها الثلاثة، أن تسعى: أولًا لتوحيد أداتها التنظيمية الواسعة؛ وتغليب المصالح العامة للحركة على الحسابات الخاصة والمناطقية والجهوية؛ ثانيًا استعادة دورها ومكانتها في أوساط الجماهير، باعتبارها الأكثر تمثيلًا لها ولمصالحها وأهدافها الوطنية؛ ثالثًا حماية دورها الريادي كقائدة للمشروع الوطني التحرري؛ رابعًا التأكيد على كونها الحاضنة الوطنية الأوسع، والأكثر تمثيلًا لقوى ونخب الشعب؛ خامسًا الابتعاد عن روح العصبوية التنظيمية والحزبية الضيقة.
ولتحقيق ذلك من المهم أن يكون الأتي: 1- الاختيار الأمثل لقائمتها الانتخابية؛ 2 – العمل على تشكيل قائمة وطنية جامعة، ويفضل أن تكون من فصائل منظمة التحرير، وعدم استصغار شأن ومكانة تلك القوى؛ 3 – تطعيم القائمة بالشخصيات الاعتبارية والأكاديمية والوطنية المستقلة الفاعلة؛ 4 – صياغة رؤية برنامجية وطنية تمثل روح الوطنية؛ 5- إسقاط خيار المحاصصة مع القوى المنافسة أي كان لونها وخلفياتها العقائدية والفكرية السياسية؛ 6- التخلي عن شخصنة العملية الانتخابية، والارتقاء بروح التسامي والعلو على الحسابات الضيقة والصغيرة؛ 7- بحكم سيطرتها على مقاليد الأمور في الدولة، عليها العمل على إعادة حقوق الموظفين كاملة في محافظات الجنوب ودون تردد وفورًا، ودون انتظار نتائج الانتخابات. لا سيما أن هذا العامل له عميق الصلة بينها وبين جماهيرها ومحازبيها وأنصارها؛ 8 – الابتعاد عن سياسة العصا الغليظة، واعتماد أسلوب الحوار مع الجميع دونما استثناء لحماية وحدة الحركة؛ 9 – تصعيد الكفاح الشعبي مع سلطات الاستعمار الصهيونية بشكل منهجي وراسخ وفق خطة واضحة، وأداة جديرة بالثقة، ورصد الإمكانيات الضرورية لنجاحها... إلخ.
هناك بالضرورة الكثير من النقاط والعوامل الواجب اعتمادها لتعزيز مكانة الحركة، وتأمين الالتفاف الفتحاوي والشعبي والوطني العام حولها، وهو ما يتطلب من الهيئات القيادية أن تفتح عيونها، وتصغي جيدًا لكل الأصوات المعارضة والمؤيدة لها، وتتعامل معها بروح المسؤولية الوطنية العالية.
الالتفاف حول فتح
02-03-2021
مشاهدة: 210
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها