أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا في 15 الشهر الجاري يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية في 22 أيار المقبل وفقًا لنظام التمثيل النسبي الكامل. وتمثل هذه الانتخابات معضلة لكل من الناخبين والقوائم المرشحة بسبب ضعف الخبرة والدراية بهذا النظام، حيث إن الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 1996 جاءت وفقاً لنظام الأكثرية (نظام الدوائر)، أما الانتخابات التشريعية السابقة التي أجريت عام 2006، فتمت وفقًا للنظام الانتخابي المختلط (66 مقعدًا بنظام التمثيل النسبي، و66 مقعدًا آخر بنظام الدوائر). ومن أجل توضيح نظام التمثيل النسبي، يمكن القول إنه نظام انتخابي يحول الأصوات إلى مقاعد بنسبة تساوي نسبة الأصوات التي حصلت عليها القائمة من مجمل الأصوات. وبالضرورة، فإن القائمة التي تحصل على نسبة 10% من الأصوات على سبيل المثال تحصل على نسبة متقاربة تقريبا من المقاعد (10% من المقاعد). ويشترط النظام الانتخابي النسبي أن تترشح القوائم فقط وليس الأفراد بطبيعة الحال، وتشكل القوائم حسب النظام الانتخابي الفلسطيني إذا ما اشتملت على 16 عضوًا كحد أدنى. وبسبب عدم وجود قانون للأحزاب في فلسطين، فإن هنالك مرونة كبيرة في تشكيل القوائم الانتخابية، بحيث تستطيع أية مجموعة من المواطنين المستقلين تشكيل هذه القوائم إذا ما اتفقوا على برنامج سياسي واحد. وتدخل القوائم المترشحة مرحلة فرز الأصوات إذا ما تجاوزت نسبة الحسم والبالغة في النظام الانتخابي 1.5% وهي تساوي تقريبا 22-24 ألف صوت حسب نسبة الأصوات المقترعين. وتضمن القائمة التي تتجاوز نسبة الحسم على الأقل مقعداً واحداً من مقاعد المجلس التشريعي، ومن ثم تحسب عدد المقاعد الأخرى لها وفقا لنظام "سانت لوجي". وهي إحدى الطرق العالمية المعتمدة في أنظمة التمثيل النسبي لاحتساب وتوزيع المقاعد.

ويتيح النظام النسبي فرصة أكبر للفئات المهمشة مثل الشباب والنساء في الترشح والفوز في مقاعد، كما يتيح للأحزاب الصغيرة إمكانية الفوز بمقاعد خاصة أن نسبة الحسم قليلة نسبيا وهي 1.5% كما أسلفنا سابقًا، بينما هي في إسرائيل 3.25% وفي رومانيا وتركيا نحو 10%. ويعتبر أيضا النظام النسبي أكثر عدالة من نظام الأكثرية لأنه يسمح لمختلف فئات المجتمع بما فيها الأقليات للتنافس والفوز، كما يعبر عن درجة أعلى من المشاركة في عملية التصويت، وأخيرًا يسمح للنظام النسبي بتشكيل حكومات توافقية مشكلة من العديد من الأحزاب نظرًا لصعوبة تحقق فوز بالأغلبية لأي من الأحزاب الكبرى.

ويبرز السؤال المهم في هذه المقالة حول أية وسائل يمكن أن تساعد القوائم المرشحة في الحصول على أكبر نسبة من المقاعد. ويمكن اختصار أهم هذه الطرق بالآتي:

أولًا: تشكيل التحالفات الحزبية قبل الانتخابات، وتتشكل هذه التحالفات من خلال قوائم مشتركة، أو من خلال قوائم مدمجة (موحدة).

ثانيًا: اختيار مرشحين في القائمة بأعلى درجة رضا من قبل القاعدة الانتخابية للقائمة أو الحزب، فكلما زادت درجة الرضا عن مرشحي القائمة كلما تطابق التصويت مع اتجاه الانتماء الحزبي. وفي الحالات التي يوجد فيها مرشحون في القائمة أقل قبولًا من قاعدة الحزب الشعبية، فإن ذلك سيؤدي إلى عدم التصويت لصالح هذه القائمة.

ثالثًا: اختيار أعضاء جدد في القوائم الانتخابية من أجل حمل الناخبين على التصويت بناءً على هوية القائمة الحزبية وليس على هوية أعضائها.

رابعًا: رسم استراتيجية انتخابية لكل قائمة وفقاً لقاعدتها التصويتية في المناطق الانتخابية. فمثلاً إذا كان هنالك حزب ما له قاعدة انتخابية كبيرة في محافظة أو محافظتين بشكل مركز، فعليه أن يضع في قائمته أكبر عدد من أسماء المرشحين في هاتين المحافظتين. أما إذا وزع أسماء قائمته على جميع المحافظات فسيؤدي ذلك إلى ضعف قدرته على استثمار قاعدته الانتخابية بشكل كفؤ.

خامسًا: ترشيح عدد من أعضاء القاعدة يتناسب مع عدد الأصوات التي تتوقع القائمة أن تحصل عليها، ويجب أن يجري ذلك وفقًا لتوقعات مدروسة ومحسوبة. فمثلا إذا رشحت قائمة ما عدد 132 عضوًا في قائمتها وهو العدد المساوي لعدد مقاعد المجلس التشريعي، والقائمة حسب أفضل التوقعات لا يمكن أن تحصل إلا على 50 مقعدًا، فإن ذلك يعني أن الناخب سيتجه تلقائيا إلى القوائم الأصغر التي تعبر عن منطقته الجغرافية ومعارفه الشخصية أكثر. وبالضرورة، فإن القوائم الأصغر ستكون أكثر جذبا للناخبين من القوائم الشاملة، خاصة أنها تعتمد أكثر على البعد العائلي والمناطقية والمعرفة الشخصية.

سادسًا: أن توكل القوائم لجميع أعضائها في القائمة مهام تجنيد المناصرين والناخبين وفقاً لخطة مدروسة، لأن خطورة النظام النسبي تكمن في أن أعضاء القوائم يعتمدون أكثر على القائمة وهويتها السياسية، وفي المجتمع الفلسطيني، فإن التصويت بناءً على المعرفة الشخصية والعشائرية يلعب دورًا محوريًا، وبالضرورة، فعلى أعضاء القوائم أن يتواصلوا مع الناخبين شخصياً تماماً كما تتم العملية الانتخابية في أنظمة الدوائر.

سابعًا: اعتماد أساليب حديثة وتقنية لتجنيد الدعم والمناصرين للقائمة من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب والتويتر، وتقديم البرامج الانتخابية وفقًا لأدوات تقنية حديثة وجذابة لا سيما للشباب.

ثامنًا: تصميم برامج انتخابية قابلة للتطبيق وخالية من الشعارات والأوهام التي لم تعد تجذب الناخبين. حيث يجب أن تكون هذه البرامج مصممة وفقًا لأسس عملية وواقعية مثل وضح برامج محددة في الصحة والتعليم والتأمين والعمل والثقافة، ويجب أن تكون هذه البرامج قابلة للقياس أيضًا، على سبيل المثال "تخفيض نسبة البطالة 2% سنويًا" أو " إقرار قانون لحماية الأسرة".

وأخيرًا، جميعنا سينتظر هذه الانتخابات ليس فقط لخوضها والاستفادة من نتائجها، وإنما أيضًا من أجل التعلم من هذه التجربة والبناء عليها. وبالضرورة، فعلى الأحزاب الوطنية أن تختبر نفسها في هذه العملية، وأن تعزز خبراتها في التعامل مع جمهور الناخبين وفقاً للنظام النسبي، والذي سيحقق لها مقاعد برلمانية أكثر إذا أحسنت استخدامه.