بقلم: محمد دهمان

في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة، تتواصل معاناة الصيادين الذين يشكل البحر مصدر رزقهم الوحيد، حيث يحاصرهم الاحتلال في لقمة عيشهم، ويجعل من الصيد مخاطرة قد تكلفهم حياتهم أو تدمر مصدر رزقهم بشكل كامل.

عدنان الأقرع صياد من دير البلح وسط قطاع غزة، يعيل أسرة مكونة من 13 فردًا. ورث هذه المهنة عن والده وأجداده، ويمتلك ثلاثة قوارب صغيرة (حسكة) يعتمد عليها في إعالة أسرته. ومع ذلك، فإن قيود الاحتلال على الصيد جعلت من العمل في البحر خطرًا يوميًا يهدد حياته وحياة أبنائه.

قال الأقرع: "كنا نحاول الصيد على بعد بضعة أمتار فقط من الشاطئ، ولكن حتى هذا كان يشكل خطرًا كبيرًا. فالاحتلال لا يريد لنا أن نعيش، ويفرض علينا حصارًا بحريًا خانقًا، ويمنعنا من الصيد، وعندما نحاول العمل في أقرب نقطة إلى الشاطئ، نصبح أهدافًا مباشرة لنيرانه".

وأضاف بصوت يملؤه الحزن والأسى: "في صباح يوم 10 شباط/فبراير 2024، خرج ابني محمود، البالغ من العمر 24 عامًا، إلى البحر لمساعدتي في الصيد. لم يكن يتوقع أن يكون هذا اليوم الأخير في حياته. عند الساعة السابعة والربع تقريبًا، رأيناه وهو يحاول الابتعاد قليلاً داخل المياه، لكن زوارق الاحتلال كانت له بالمرصاد. أطلقت عليه قذيفتين مباشرة، وعلى مرأى من أعيننا جميعًا، ارتقى شهيدًا في البحر".

وتابع الأقرع: "لم أستطع فعل شيء لإنقاذه، كنت أشاهد ابني وهو يغرق في دمه، بينما كانت الزوارق الحربية تواصل استهداف كل من يحاول الاقتراب. قتلوا ابني بدم بارد، ولم يحاسبهم أحد على هذه الجريمة".

ولم يكن مجدي الأقرع، ابن عم عدنان، في وضع أفضل، فقد تعرضت أربعة قوارب يمتلكها للقصف والتدمير الكامل، ما جعله يفقد مصدر رزقه الوحيد.

وقال الأقرع: "في لحظات قليلة، خسرنا كل شيء. استهدف الاحتلال قواربنا وأحرقها بالكامل. بل لم يكتفِ بذلك، ودمر الشباك والمعدات التي نعتمد عليها في عملنا اليومي. كيف سنعيش الآن؟ ومن أين سنحصل على قوت أطفالنا".

وأضاف: "أعيل أسرة كبيرة مكونة من 60 فردًا، تضم إخوتي وأولادهم، واليوم لم يعد لدينا أي دخل. كنا نعيش من الصيد، لكنه لم يعد خيارًا متاحًا. نعتمد الآن على التكايا والمساعدات الإنسانية، لكن إلى متى".

وفي مقابلة مع نقيب الصيادين في قطاع غزة نزار عياش، أوضح حجم الدمار الذي لحق بقطاع الصيد، مشيرًا إلى أن الاحتلال لم يكتفِ باستهداف الأفراد، بل عمد إلى تدمير البنية التحتية بشكل كامل.

وقال عياش: "تم تدمير جميع موانئ الصيد في قطاع غزة، ولم يعد هناك أي مكان يمكن للصيادين العمل منه. القصف طال كل شيء، من القوارب إلى المعدات وحتى مصانع الثلج التي كنا نعتمد عليها لحفظ الأسماك".

وتابع: دمر الاحتلال 144 غرفة معدات، و300 قارب صغير (حسكة) و80 قاربًا كبيرًا (لانش).

وفي شمال غزة دمر عشرة غرف تحتوي معدات وشباك صيد، و40 قاربًا. وفي وسط قطاع غزة تم تدمير 70 قاربًا صغيرًا مع جميع المعدات والمحركات. وفي ميناء خان يونس (جنوب القطاع) تم تدمير الميناء بالكامل، وتدمير 80 قاربًا صغيرًا (حسكة) و14 قاربًا كبيرًا (لانش)، وحرق جميع المعدات والمحركات وشباك الصيد، ما جعل العودة إلى الصيد شبه مستحيلة حتى لو تم رفع القيود يومًا ما.

وقال عياش: "لقد تم تدمير مصانع الثلج بالكامل، اثنان في ميناء غزة ومصنع وحيد في ميناء خان يونس. هذه المصانع كانت أساسية لحفظ الأسماك وضمان عدم تلفها، والآن لم يعد هناك بديل للصيادين".

وأضاف: "كما تم استهداف أنظمة الطاقة الشمسية التي كانت توفر الكهرباء لموانئ الصيد، وتدمير مصادر المياه التي كانت تزود الصيادين باحتياجاتهم الأساسية. الاحتلال تعمد شلّ القطاع بشكل كامل، حتى لا يكون هناك أي فرصة لاستعادة الصيادين لمهنتهم".

وأشار إلى استهداف مشروع "مطبخ زوجات الصيادين"، الذي تم تمويله من الحكومة الإسبانية عبر المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما زاد من معاناة الأسر التي كانت تعتمد عليه كمصدر دخل إضافي.

وبحسب نقابة الصيادين، فإن عدد الشهداء من الصيادين تجاوز 100 شهيد، بينما يعيش أكثر من 5000 صياد في أوضاع إنسانية كارثية، ويعيلون أكثر من 50,000 نسمة.

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنت إسرائيل عدوانًا على قطاع غزة طال البشر والشجر والحجر، مخلفًا كارثة إنسانية غير مسبوقة. حيث لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، بينما تقول المصادر الطبية إن حصيلة العدوان وصلت 48,397 ألف شهيد و111,824 ألف إصابة منذ بدء العدوان.