بقلم: ريم سويسي
تتواصل معاناة الآلاف من مبتوري الأطراف في قطاع غزة، في ظل النقص الحاد في المواد الطبية والأدوية والعلاجات اللازمة للتخفيف من آلامهم.
وتواجه هذه الفئة عددًا من التحديات التي تنتظرهم في المستقبل، بما فيها العثور على وظائف وإعالة أسرهم، ومواصلة الاستشفاء من الجروح التي خلفتها آلة الحرب الإسرائيلية.
وإحدى هذه الحالات، منى سعفان التي تقف أمام المرآة وتحدق في تفاصيل كارثتها فهي تعاني بتراً في يدها اليمنى أعلى الكوع، وتتفحص الجزء المبتور من جسدها وفي رأسها ألف سؤال عن ماذا سيحل بها، وكيف ستسير حياتها، وكيف سترعى أولادها.
تقول سعفان (45 عاماً): "أصبت في استهداف جيش الاحتلال مخيم النصيرات قبل سبعة أشهر بينما كنت أسير بجانب مدرسة تؤوي نازحين وكانت الإصابة بشظية أدت إلى تهتك أنسجة يدي اليمنى ولم يكن هناك حل سوى البتر".
وتضيف: "بعد البتر انقلبت حياتي رأساً على عقب أصبحت حساسة لأي نظرة لأي كلمة ولأي تلميح، ولقد فقدت ثقتي بنفسي فأنا لا أجيد فعل كل ما كنت أقوم به من واجبات المنزل وطلبات أطفالي وزوجي وبيتي".
أدى انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة جراء العدوان الوحشي إلى ازدياد أعداد المبتورين الذين يضطرون للانتظار طويلاً لإجراء العمليات وأمام هذا الانتظار يبدأ الجرح بالالتهاب فيما يسمى بالغرغرينا وبالتالي لا يكون أمام الأطباء من خيار سوى البتر.
- أرقام صادمة
ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة في غزة، فإن أعداد حالات بتر الأطراف ارتفعت إلى أكثر من عشرة آلاف في مختلف محافظات القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وشملت أكثر من 4000 طفل.
كما كشفت أحدث إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أن عشرة أطفال على الأقل يفقدون أحد أطرافهم يوميًا في غزة جراء العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
كما أعلنت الأمم المتحدة، أن قطاع غزة أصبح موطنًا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث.
ويشير أطباء وخبراء إلى أن الطبيعة الصعبة والقاسية للإصابات، تجعل إنقاذ الأنسجة والأوعية الدموية أمرًا صعبًا أو شبه مستحيل، وتتفاقم خطورة الإصابات بسبب نقص العلاج الطبي المتاح مثل المضادات الحيوية، ما يعني أن العدوى قد تصبح مميتة، في ظل عدم وجود فرق جراحية، وبالتالي غياب إمكانية إعادة بناء الأطراف بشكل صحيح.
إضافةً إلى التداعيات الصحية، لم يخضع مبتورو الأطراف لجلسات دعم نفسي أو تأهيل جسدي بحسب إفادة العديد منهم، ما يعيق تكيفهم مع واقعهم الجديد، ويجعلهم يتقوقعون داخل غرفهم أو خيام نزوحهم، ولا توجد خدمات تقدم لمبتوري الأطراف، سواء القدامى أو من بترت أطرافهم خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.
ولا يختلف حال إبراهيم الأسعد (35 عاماً) كثيراً عن منى فهو الآخر من مبتوري القدمين أعلى الركبة الأمر الذي أقعده على كرسي متحرك.
يقول الأسعد: "أصبت في استهداف منزل عائلتي قبل خمسة أشهر وتم إخراجي من أسفل الركام كدت أموت لكن عناية الله أحاطتني وخرجت ولكن بلا أقدام".
يبكي بصمت ثم يكمل: "أعتبر نفسي ميت فأنا لا أقوى على فعل شيء بالمطلق، نظرات الشفقة زادت معاناتي فأنا أصبحت عالة بل عبء على الجميع".
ويختم قائلاً: "أتمنى أن أتعالج في الخارج فأحصل على أطراف اصطناعية تعيد لي ثقتي بنفسي وتوفر علي الإحراج والشفقة".
أما الطفل رامي سلمان (17 عاماً) فقد حرمه بتر قدمه اليسرى هوايته المفضلة ألا وهي الجمباز.
يقول: "كنت من محبي رياضة الجمباز وكنت يومياً أمارسها على شاطئ بحر غزة لكن شظية حاقدة استقرت في قدمي أدت لبتر حرمتني السعادة في الحياة".
ويكمل: "أشعر بالفراغ حين أتحسس بقايا قدمي وأشعر بالحزن والعجز خاصة حين أرى الأولاد في سني فإنني أتقوقع داخل نفسي كضحية لا ذنب لها".
ويضيف: "أمنيتي أن أتعالج خارج غزة على أحصل على طرف اصطناعي أستطيع به مواصلة حياتي دون خجل وكي اعود لممارسة هوايتي المفضلة".
يعلق الأخصائي النفسي والاجتماعي أحمد شتات بالقول: "كان الله في عون المبتورين فهم يعانون صيفاً شتاءً خاصة في ظل عدم وجود مسكنات للألم ناهيك عن الألم".
ويضيف: "ألم المبتور عبارة عن ثلاث مصادر الأول حين يتحسر المبتور على نفسه حين يرى جسده ناقص والألم الثاني نظرات المجتمع ومن حوله تجاهه أما المصدر الثالث فهو إمكانية أن يتأقلم المبتور مع بتره".
ويختم حديثه بالقول: "حتى الطرف الصناعي لا يمكن له أن يحل المشكلة النفسية لدى المبتور ولكنه يبقى الخيار الأفضل لهذه المعاناة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها