حلت الذكرى الـ33 لتشكيل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يوم الاثنين الماضي، تميز الاحتفاء بالمناسبة بكلمة لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، ولقاءات مع منابر إعلامية لعدد من رموزها، تحدثوا جميعا عن أهمية الفعالية، وإنجازات حركتهم، وعن تمسكهم ببرنامجهم السياسي والعقائدي. ولا أريد أن أتوقف عند كل افتراء على الحقيقة، بيد أني سأسلط الضوء على موضوع واحد بعينه، هو ملف المصالحة والوحدة الوطنية، حيث أصروا جميعا على الالتفاف على الحقائق عندما تحدثوا عنه، وأجمعوا على تحميل حركة فتح مسؤولية انسداد الأفق، وادعوا دون أيّة ذرة من الخجل واحترام الذات والأمانة، أن السبب يكمن في "عودة السلطة للتنسيق مع إسرائيل يوم الثلاثاء الموافق 17/ 11/2020"!

مع أن كلا من جبريل الرجوب وروحي فتوح، ممثلي حركة فتح أكدا على الفضائيات وعبر العديد من المنابر الإعلامية، أن ممثلي حركة حماس، خاصة خليل الحية، عضو المكتب السياسي للحركة أعلن يوم الاثنين الموافق 16/11/ 2020 وأمام الوفد المصري الراعي لعملية المصالحة وباسمهم جميعا، رفضهم لما تم الاتفاق عليه في اسطنبول بشأن الانتخابات، حيث كان الاتفاق، الذي كتبه بخط يده ووافق عليه صالح العاروري، نائب رئيس الحركة، وبعد التشاور مع أركان قيادته، خاصة رئيس الحركة، إسماعيل هنية، على إجراء الانتخابات بالتوالي وليس بالتزامن. لكن الحية أصر على نقض الاتفاق، وأصر على التزامن. وبالتالي لم يكن موضوع عودة العلاقة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية بما فيها التنسيق مطروحًا، وحمل الأشقاء المصريون حماس وللمرة الأولى المسؤولية عن فشل المباحثات.

النتيجة الجلية والواضحة تؤكد أن موضوع العلاقة مع حكومة العدو الإسرائيلي لا علاقة له بالأمر، لأن القرار المسبق والمبيت لديهم في حماس كان السبب الأساس المعطل لعملية المصالحة. ومع ذلك، لم تغلق حركة فتح الباب، بل أبقته مفتوحًا بشكل كامل، ولم تدر الظهر لمواصلة الحوار من أجل إحداث اختراق جديد في موقف فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين. لا سيما أن الضرورة السياسية تحتم كسر الانسداد، وإبقاء الأمل قائمًا، لأن التحديات الصهيو أميركية، والانهيارات في المواقف العربية الرسمية مع اتساع رقعة التطبيع المذل تتزايد، ما يضاعف من المسؤولية للمضي في فكفكة كل الألغام المزروعة أمام عربة المصالحة، لعل وعسى أن تعيد حركة حماس النظر في سياساتها الأقصوية المتناقضة مع خيار المصالحة في العام الرابع عشر من انقلابها على الشرعية.

لكن المتابع الموضوعي لخطاب قادة حماس في الذكرى الـ33 لتأسيسها، يلحظ أنهم متشبثون بخيار الانقلاب، ولي عنق الحقيقة، والإصرار على مراهنات وأوهام  تحولات في  المشهدين الأميركي والعربي  لصالح مشروعهم الفئوي الانقلابي. أضف إلى أن حماس أسيرة مرجعياتها وخاصة التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين، وأجندة بعض القوى الإقليمية. فضلًا عن رفض القوى المتنفذة في الانقلاب في قطاع غزة لتقدم عربة المصالحة للأمام، لأن ذلك يفقدهم امتيازاتهم، لذا تعمل بكل الوسائل اللامشروعة على وضع المزيد من العراقيل أمامها.

في ضوء المشهد الماثل أمام الجميع، ما هو الحل، وما العمل للخروج من النفق؟ هل يمكن التعويل على إلزام حركة حماس بالعودة لجادة الصواب، ومصالح الشعب العليا؟ وإن لم يتم ذلك، ما هو الخيار البديل؟ وإلى متى يمكن الانتظار؟ هل هناك سقف زمني محدد لحركة فتح والقيادة الفلسطينية أمام هذا التسويف والمماطلة، أم أن باب الحوار سيبقى مفتوحًا إلى ما شاء الله حتى يقتل الأمل بترميم الجسور؟

أعتقد أن القيادة الفلسطينية ومعها فصائل العمل الوطني مطالبة بوضع آلية ورؤية محددة وواضحة تساهم في إحداث تحول حقيقي بدعم عربي وإقليمي ودولي، لأن السياسة الانتظارية لا تخدم التقدم، كون الممسك بقرون حركة حماس لا يريد للمصالحة أن تتقدم ولو خطوة جدية واحدة. الكرة الآن في ملعب القيادة الفلسطينية وحركة فتح ومعها فصائل العمل الوطني والتيار الحمساوي المؤيد للمصالحة ومعهم الراعي المصري لإرغام المتنفذين في الانقلاب للتراجع عن خيارهم البائس، لأن الوحدة شرط أساس وضروري لمواجهة كل التحديات.