منذ تأسيسها قبل 33 عامًا وحماس تقدم نفسها بطرق متناقضة، بمعنى هي تحاول تسويق نفسها بأنها تنظيم فلسطيني وطني مقاوم، بالمقابل تحاول أن تخفي أجندتها الإسلاموية وانتماءها المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمهم الدولي، وأنها عمليًا تعمل كل شيء من أجل تحقيق أهداف الجماعة. ومن دون شك فإن حماس حققت نجاحًا في مرات كثيرة في إخفاء أجندتها الحقيقية، واستخدامها للقضية الفلسطينية في خدمة هذه الأجندة الإخوانية، فالمقاومة وما تدعيه من وطنية فلسطينية هي في خدمة الجماعة، وحلفائها وأهدافهم، وبالمناسبة أن أبرع من استخدم المقولة الميكافيلية الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" هم تنظيم الإخوان ومن ضمنهم حماس من أجل تحقيق أهدافهم.

قبل إندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الاول/ ديسمبر عام 1987 رفضت جماعة الإخوان المشاركة بالثورة الفلسطينية، وعلى العكس تبادلت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مع سلطات الاحتلال المصلحة في الاسهام في التصدي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومواجهة تأثيرها ودورها الوطني. ففي هذه المرحلة كان هناك تناغم بين الجماعة وسلطة الاحتلال، فهذه الاخيرة أعطت للمجمع الاسلامي الذي أسسته الجماعة في غزة عام 1973 ترخيصًا رسميًا عام   1977 للعمل والنشاط بحرية في أوساط الجماهير، ثم أعطت سلطة الاحتلال تراخيص لمجموعة مؤسسات للإخوان. وتماهيًا مع المصلحة  المشتركة، نشطت الجماعة في الجامعات الفلسطينية ليس ضد الاحتلال، وإنما ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائلها الوطنية واليسارية.

وبعد تأسيس حماس، في الأيام الأولى للانتفاضة، قامت حماس بكل فاعلياتها، وأنشطتها بشكل منفصل  بل وفي الأساس كمنافس لمنظمة التحرير وفصائلها، كما رفضت أن تكون جزءًا من من القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، الأمر الذي شق الجهد الوطني، وقدم لسلطة الاحتلال  الإسرائيلي مشهدًا سياسيًا بدا فيه بأن شعبنا الفلسطيني منقسم على نفسه. وفي المرحلة ذاتها رفضت حماس كل عروض ياسر عرفات السخية على امتداد الأعوام، من عام 1988 وحتى العام 1991 للانضمام لمنظمة التحرير ومجلسها الوطني، وكان من بين شروط حماس الكثيرة والتعجيزية، شرط تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، بحيث يتبنى الفكر الإسلاموي، وبمعنى آخر أما أن تصبح المنظمة مثل الجماعة وحماس أو لا انضمام. وهو الوضع المستمر حتى الآن بغض النظر عم تدعيه حماس من مبررات كاصلاح المنظمة، فحماس كما سبقت الإشارة ماهرة في اخفاء أجندتها الأصلية.

وبعد اتفاقيات أوسلو ساهمت حماس بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، في جهد اليمين الإسرائيلي المتطرف في إفشال هذه الاتفاقيات عبر سلسلة من العمليات داخل إسرائيل، والتي أدت في نهاية المطاف إلى فوز هذا اليمين عام 1996 برئاسة نتنياهو، وانتهاء مسيرة أوسلو عمليا.

ولاثبات تقلبات حماس وميكافيليتها، فهي رفصت المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية والانضمام للنظام السياسي الفلسطيني عام 1996 بحجة أن هذه الانتخابات وهذا النظام من نتاج اتفاقيات أوسلو، فإن هذه الحركة الإخوانية وافقت على المشاركة في انتخابات 2006 التشريعية، وبالتالي الدخول إلى نفس النظام السياسى الفلسطيني، الذي  قام على اساس هذه الاتفاقيات.. فما الذي تغير وجعل حماس توافق...؟؟

السبب الرئيس أن السلطة الوطنية كانت تلقت ضربة موجعة من سلطة الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية، فاسرائيل دمرت بالكامل مؤسسات السلطة وحاصرت الرئيس ياسر عرفات في مقره في رام الله، ومن ثم قامت باغتياله بالسم...!! لقد وافقت حماس على المشاركة في الانتخابات، بالرغم من انها تتم تحت سقف اوسلو، لأنها كانت ترى إنها ستفوز في الانتخابات، وتسيطر على النظام السياسي الفلسطيني، في ظل ازمة السلطة الوطنية، فهي لا يهمها "أوسلو" بل ما يهمها أن تكون هي من يمسك بقرار القضية الفلسطينية خدمة لاجندة الجماعة، وان تكون هي أي حماس البديل لمنظمة التحرير.

وعندما دخلت الساحة الفلسطينية في مأزق سياسي كبير، بعد تشكيل حماس منفردة الحكومة  الفلسطينية، تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، بموجب اتفاق مكة في شتاء عام 2007،  انقلبت حماس على هذه الحكومة، وسيطرت على قطاع غزة بالقوة المسلحة في حزيران/ يونيو عام 2007 ما أدى إلى أخطر انقسام فلسطيني. ومنذ ذلك التاريخ فشلت كل الجهود الفلسطينية، والعربية، لانهاء هذا الانقسام الذي لا يخدم سوى العدو الإسرائيلي.

ومن أجل أن يتم اعتمادها كبديل عن المنظمة، أصدرت حماس ما أطلق عليه وثيقة السياسة الجديدة، والتي وافقت فيها حماس على مبدأ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967، أي أن حماس بهذه الوثيقة لم تعد تتناقض مع المنظمة سياسيا، ولكن مع ذلك لم تقبل الانضمام لهذه المنظمة.

تناقضات حماس نابعة أساسًا من كونها تخفي أجندتها الاخوانية الخاصة، وتحاول استخدام القضية والوطنية الفلسطينية وشعار المقاومة خدمة لهذه الأجندة، ومن اجل تمكين الجماعة وليس فلسطين وشعبها. وإذا راقبنا كل تصرفات حماس قبل وبعد سيطرتها بالقوة على غزة، فان هدفها الأول والأخير هي أن يتم اعتمادها كبديل لمنظمة التحرير في أي صفقة مع سلطة الاحتلال، وانها عندما تتشدد او تكون مرنة، انما ذلك من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو هدف لمصلحة الجماعة الأم التي يهمها كثيرًا جدًا ان تمسك بقرار القضية الفلسطينية، لتعزز من دورها ومكانتها في المنطقة والعالم، هذه هي الأجندة الحقيقية التي تحاول حماس إخفاءها تحت شعارات مختلفة. المشكلة ان دولة الاحتلال الإسرائيلي، تعرف أكثر من غيرها اهداف حماس الحقيقة، وتقوم باللعب على خيوط هذه الاهداف من أجل أضعاف الشعب الفلسطيني، وابقائه منقسما على نفسه.