نسمع بين الحين والآخر أصواتًا ما زالت بمثابة صدى للصهيونية الأصولية في منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري (إسرائيل) تطالب بتعويضات يقدرونها بالمليارات مقابل أملاك وأموال مئات آلاف اليهود الذين أجبروا على الهجرة من أوطانهم العربية إلى (كيان المنظمة)، رغم علمهم ما فعلته الوكالة اليهودية الجهاز التنفيذي للمنظمة الصهيونية، التي أنشئت في العام 1908 باسم "مكتب فلسطين" في يافا كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي ليستوطنوا قد نسقت الهجرة اليهودية لفلسطين تحت عنوان (العودة اليهودية) أثناء فترة الانتداب، وشراء الأراضي وتخطيط السياسات العامة للمنظمة الصهيونية، وأنشأت منظمات مسلحة (الهاجاناه)، فهذه الوكالة كان لها الدور الأكبر في تنظيم عمليات تفجير وإرهاب ضد العرب اليهود في اقطار عربية منذ العام 1920 بعد بضع سنوات على وعد بلفور وذلك بقصد تصنيع القاعدة الأساسية لكيان المنظمة الصهيونية (إسرائيل).

نحن ندرك جيدًا أن العرب اليهود قد أجبروا على الهجرة من أوطانهم، ما يعني أنهم قد وصلوا إلى كيان المنظمة الصهيونية كلاجئين، وليس كعائدين كما عرفت الوكالة اليهودية مهماتها، وبالتالي فإن الحق بالعودة والتعويض يناله الفلسطيني الذي اجبر على مغادرة وطنه تحت ضغط الحرب أو الإرهاب أو جرائم الحرب  العنصرية، وهذا ينطبق  تمامًا على اللاجئين الفلسطينيين ، أما العربي اليهودي الذي أجبر على مغادرة بلده الأصلي فلا يحق لكيان غاصب يحتل ارض الشعب الفلسطيني وهجر وشرد منها مليوني فلسطيني وأكثر صاروا الآن حوالي عشرة ملايين أن يطلب التعويضات ليهود كانوا ضحايا الوكالة اليهودية ذاتها والمشروع الصهيوني الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني، وهنا لا بد من الاعتراف بحق العربي اليهودي بالتعويض عن املاكه من ذات الدولة العربية التي كان مواطنا فيها، واجبر حينها على الهجرة بسبب عدم توفر الحماية أو بسبب تآمر سلطات الدول آنذاك مع الوكالة اليهودية، رغم أن الدول العربية التي كانت خارجة لتوها من سيطرة الدولة العثمانية كانت تحكمها سلطات الانتداب البريطانية والفرنسية والإيطالية في مشرق الوطن العربي ومغربه.

كتب الرئيس في البند الرابع من خلاصة كتابه الصهيونية بداية ونهاية: "رحل عنها الناس (عن الصهيونية) حينما اتيح لهم الرحيل، حينما وجدوا من يحميهم ويخفف عنهم، حاربوها وتصدوا لها  وتحملوا في سبيل ذلك كل ألوان الاضطهاد والاذلال والقهر، التقى منا ومنهم الفكر وتشابكت الأيدي  وارتفعت الأصوات واحدة تدوي، لتسقط الصهيونية وستسقط". 

وضع الرئيس محمود عباس خاتمة لكتابه (الصهيونية بداية ونهاية) المنشور ايضا على موقعه في الشبكة العنكبوتية، فجاء في البند الخامس منها ما يلي: "بدأت الصهيونية غريبة، وستنتهي غريبة، كانت تبدو لنا قدرًا فأصبحت نهايتها قدرًا، اليهود ضحيتها، ونحن ايضا ضحيتها، ونحن واليهود سنتكفل بالقضاء عليها، لنعيش بعدها في وطن رحب واسع مليء بالخيرات تكفي الجميع، وتظلل الجميع بالخير والمحبة  والمساواة".

نحن- الفلسطينيين- الضحية الأولى أما الضحية الثانية فهم العرب اليهود الذين تم اقتلاعهم بفكي كماشة الخديعة والإرهاب المنظم والمبرمج!.

العرب اليهود في إسرائيل يحتاجون عون العرب القادرين فعلا على وضع برنامج زماني ومكاني يحررهم من قيود دولة استعمارية عنصرية استثمرت أرواحهم وعقيدتهم وبناهم الفكرية والشخصية تمامًا كما استثمرت وجودهم المادي، ثم تركتهم بقايا صناعية، أو كركام خلفته الصدامات والصراعات على مدى مئة عام ونيف! 

والأسئلة المطروحة الآن ماذا يجب أن نفعل؟! .. كيف نخترق العمود الفقري للمنظمة الصهيونية، الذي ما كان قويًا ومنتصبًا وقادرًا على حمل أعباء كيان وتشكيل هيئة دولة إلا بفعل الهجرة اليهودية من أنحاء العالم عمومًا ومن الدول العربية خصوصًا، وما سبلنا وأدواتنا لإقناع  العربي اليهودي ليسارع بإنقاذ نفسه ويعود إلى بيئته الطبيعية.

نعتقد بداية أن تحرير القوانين من أي نصوص فيها تمييز بين مواطن وآخر على اساس العقيدة، وتكريس الديمقراطية كثقافة جماهيرية وليس نخبوية وحسب، وإيصال المواطن الى مرحلة اعتناق المواطنة كمنهج تفكير ورؤية لبعاد الحقوق والواجبات والعلاقة مع الآخر وأفكاره وعقيدته وثقافته القوانين، ونشر التسامح  ليصبح العلامة المميزة لسلوك الفرد في مجتمعاتنا العربية، حينها نبدأ فعلا بتحرير العرب اليهود من قيود الصهيونية، ونمكنهم من حق العودة الى بلدانهم العربية  الأصلية، وبالتوازي يعمل أكاديميون ومثقفون ورؤساء منظمات حقوقية، وخبراء قانونيون حكوميون وعدة اتحادات شعبية تمثل قطاعات هامة بالمجتمع كالطلاب والمعلمين والمحامين والكتاب والأدباء والعمال ايضا على حملة توعية ابتداء من مستوى القواعد الشعبية، وصولا الى المستويات الرسمية التشريعية والتنفيذية التي عليها الغاء كل القوانين المانعة او العائقة لعودة المواطنين العرب اليهود الى مدنهم العربية والى بيوتهم ويستعيدون املاكهم ليعيشوا بسلام وأمان.. وبذلك نقدم لأنفسنا أولا وللعالم من بعد صورة مثالية لمجتمع متجانس بدون عوائق ثقافية أو سياسية، فالديمقراطية توفر مبدأ المساواة والعدل والاندماج، أما المال فهو عنصر مادي لابد منه لتجسيد اعادة العرب اليهود الى أوطانهم الأصلية في البلاد العربية، لذا نحن بحاجة الى (كيرن هايسود عربي) قبل حاجتنا لأسلحة دمار وحروب، فمنظومة الاحتلال الاستعماري العنصري (اسرائيل) يكمن ضعفها في تجريدها من أهم عناصر قوتها أي (المهاجرين اليهود) الذين أرغم بعضهم بوسائل إرهابية على ترك بلاده الاصلية، فيما التحق آخرون طمعا بالمميزات والمنح والهبات، فالمنظمة الصهيونية وإسرائيل لن ينفعها احدث اسلحة العالم إذا بدأ اليهود من كل الجنسيات بالعودة إلى مواطنهم وتحديدًا عودة العرب اليهود الى الدول العربية.