يظن البعض أن التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام مناسبة للاحتفال والاحتفاء، شبيهة بالمناسبات التي يستذكرها الناس بفرح وزهو وفخر، ونعتقد أن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قد كسي بمظاهر احتفالية عن قصد أو بدون قصد، رغم كونه يومًا مأساويًا في تاريخ الشعب الفلسطيني، ويومًا يذكرنا نحن المظلومين ويذكر دول وشعوب وحكومات العالم بظلم فظيع تعرض له الشعب الفلسطيني، بعد حوالي ثلاثين عامًا من الظلم الذي أوقعته بريطانيا العظمى الاستعمارية في الثاني من نوفمبر من العام 1917 بمنحها ما يسمى وعد بلفور للمنظمة الصهيونية.
نعلم كلنا ويعلم العالم أن الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة قد أصدرت في 29 -11-1947 القرار رقم 181 تتبنى فيه خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى: دولة عربية: على مساحة (11,000 كـم2) تبلغ حوالي 42.3% من فلسطين التاريخية والطبيعية وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر، وقسم ثان سمي (دولة يهودية) تبلغ مساحتها حوالي 5,700 ميل مربع على مساحة (15,000 كـم2) 57.7% من مساحة فلسطين التاريخية والطبيعية وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل الربيع المعروفة الآن بتل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً. أما القسم الثالث فضم القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، على أن تبقى تحت وصاية دولية.
أصدرت الأمم المتحدة القرار في 29 نوفمبر 1947 القرار 181 القاضي بتقسيم أرض الشعب الفلسطيني التاريخية والطبيعية (فلسطين) حيث تم تشكيل لجنة UNSCOP التي بدورها طرحت مشروع إقامة دولتين مستقلّتين، وتُدار مدينة القدس من قِبل إدارة دولية. واقترحت مشروعا آخر يتضمن تأسيس فيدرالية تضم كلا الدولتين. وتبنت هيئة الأمم مشروع لجنة UNSCOP الدّاعي للتقسيم مع إجراء بعض التعديلات على الحدود المشتركة بين الدولتين، على أن يسري قرار التقسيم في نفس اليوم الذي تنسحب فيه قوات الانتداب البريطاني من فلسطين.
الملاحظ هنا أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حتى ذلك التاريخ كان 57 دولة، شاركت 56 منها بالتصويت فيما امتنعت مملكة سيام المعروفة الآن باسم تايلاند، ووافقت 33 دولة على التقسيم وعارضته 13 دولة فيما امتنعت بريطانيا مع تسع دول أخرى عن التصويت علمًا أن لجنتين شكلتهما الحكومة البريطانية وهما لجنة بيل في العام 1937 ولجنة وودهد عام 1938 اثر الثورات الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإنكليزي والاستعمار الصهيوني منذ العام 1925 وحتى العام 1939 بحلول للقضية الفلسطينية قد أوصتا بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين.
ما كان لقرار التقسيم أن يمر لولا ضغوط مارستها الولايات المتحدة ومنظمات صهيونية ورجال أعمال موالون لها، إذ كتب جيمس فورستال الذي شغل منصب وزير الدفاع في الولايات المتحدة الأميركية: "إن الطرق المستخدمة للضغط وإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة" حيث يتضح من الظروف المعلومة التي سجلت خلال فترة المداولات والمشاورات حول القرار أن ضغوطًا كبيرة مارستها المنظمة الصهيونية لتأجيل التصويت من الـ 26 إلى الـ 29 من نوفمبر، للحصول على موافقة ليبيريا الفلبين وهاييتي وذلك لتأمين موافقة ثلثي الدول الأعضاء، فكان ذلك رغم معارضة الدول العربية لمنع التأجيل لكن البعثة الأميركية المؤيدة لخطة التقسيم أصرت على تأجيل جلسة التصويت إلى ما بعد عيد الشكر الأميركي في 27 نوفمبر. كما ضغط سياسيون ورجال أعمال أميركيون على دول مرتبطة اقتصاديا بالولايات المتحدة الأميركية. كضغط المليونير الأميركي المشهور هارفي صامويل فايرستون على ليبريا علمًا أنه صاحب مزارع المطاط فيها وصاحب مصانع الإطارات المشهورة فايرستون.. أما أسماء الدول الموافقة والمعارضة والممتنعة عن التصويت فيمكن للباحث عن الوقائع التاريخية تتبعها عبر المراجع.
رغم أهمية قرار الأمم المتحدة بتخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، واعتبار هذا القرار بمثابة يقظة تاريخية يجب اتباعها ببرنامج عمل إرادي حقيقي ملموس على الأرض، يعيد للشعب الفلسطيني بعضا من حقوقه، ورغم أننا نتعامل مع هذا القرار بايجابية لكونه بداية الطريق نحو تكوين وعي أممي دولي قانوني بحق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين، وأن الخطوة التي لابد منها هي إقدام المجتمع الدولي على الانتصار لإرادته ومواثيقه وقراراته وقوانينه، والبدء فعليًا بتنفيذ القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 علمًا أنها أقل من المساحة المخصصة لدولة عربية فلسطينية في قرار التقسيم، فالامتحان الحقيقي هو قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ قراراته، فليس منطقيًا وجود العجز والإرادة القوية في تنفيذ القرارات في ذات الإطار (الأمم المتحدة)، إلا أننا لم ولن نغفل عن اجتماع الضدين في نص القرار الأممي الخاص باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فالتعبير عن أزمة ضمير بسبب ظلم الحقته الدول الاستعمارية الكبرى والتابعة لها على الشعب الفلسطيني ممزوجًا بأجواء احتفالية، نعتقد بوجوب نقلها إلى حيز الموضوعية المادية وتجسيدها كإرادة وحقيقة مادية على الأرض تنفذ عمليا وليس بحبر لامع على ورق، فنحن لا يغيب عن بالنا نص القرار باعتماد اليوم العالمي حيث ورد فيه مايلي: "عملاً بقرار الجمعية العامة 32/40 باء المؤرخ 2 كانون الأول/ديسمبر 1977، يتم الاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني سنويًا يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر أو في حدود هذا التاريخ، وهو احتفال رسمي يقام للاحتفال باتخاذ الجمعية العامة، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، القرار 181 (د-2) الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين.
إذا كان حجم الاهتمام العالمي الشعبي والرسمي مع الأيام العالمية التي تخصصها الأمم المتحدة معيارًا لقياس أهمية القضايا المطروحة في مركز هذه الأيام، فإننا نعتقد أن حجم التفاعل الدولي الشعبي والرسمي في هذا اليوم لأكبر دليل على اهمية ومركزية القضية الفلسطينية للاستقرار والسلام والازدهار في منطقة حيوية ورئيسة واستراتيجية وحضارية من العالم، تمامًا كما نعتقد بأن انتصار العالم لقضية فلسطين، ومساندة الشعب الفلسطيني في تحقيق استقلاله وبسط سيادته على أرض دولته إنما هو انتصار لمبادئ العدل والمساواة والحرية والحقوق الانسانية، وحق كل شعب في تقرير مصيره، فحرية فلسطين نراها بمثابة تحرر شعوب ودول كثيرة في العالم من هيمنة دول استعمارية مازالت تسعى لفرض هيمنتها والتحكم بمصائر الشعوب والدول... فنحن نريد لهذا اليوم أن يكون يومًا عالميًا لحرية واستقلال الشعب الفلسطيني ويومًا تتحرر فيه إرادة المجتمع الدولي، وليس يومًا للاحتفال بالظلم، فالتقسيم ظلم، لكن الانتصار للحقوق والعدل والحلول العادلة يستحق الاحتفاء بحق.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها