كانت مبادرة رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي للحديث هاتفيًا مع الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين، وإتباع المكالمة بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى رام الله للقاء الرئيس أبو مازن في ظروف عربية وإقليمية ودولية معقدة للغاية، وفي وقت تواجه فيه مصر العربية تحديات لأمنها لتثبت للقاصي والداني صحة وصواب رؤية القيادة الفلسطينية بأن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن فلسطين ستبقى مركز الأمن القومي العربي كونها قضية الأمة العربية المركزية، ليس لأننا كفلسطينيين نريد ذلك وإنما لأن الحقائق والوقائع المادية والمتغيرات بدوائرها الصغيرة والكبيرة تؤكد هذه الحقيقة، رغم مساعي قوى داخلية تابعة وأخرى خارجية طامعة لنزع فلسطين من عمقها العربي، واجتثاث القضية الفلسطينية من وعي الأمة العربية والأحرار في العالم على المستويين الفردي والجمعي.
ندرك جيدًا أبعاد التحركات والحملات العسكرية الخارجية والسياسية المباشرة التي تتعرض لها أقطار عربية وازنة في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري الاحتلالي العنصري، كما ندرك أن قدرة الأشقاء العرب على مواجهتها مرهون بمستوى استعداد قيادات الدول العربية على الوفاء بالتزاماتهم تجاه القضايا القومية المرتبطة وثيقا بالأمن القومي العربي، وبمدى تطابق القرار الوطني المستقل لدى كل دولة عربية مع تطلعات شعبها وقواها الحية.
لم تغفل مصر العربية عن الوفاء بمسؤوليتها رغم تصديها لقضايا مصيرية كقضية سد النهضة التي تهدد شريان الحياة المائي لمصر، والخطر الداهم على حدودها الغربية تجسده جماعات ارهابية ومرتزقة تحشدهم وتسلحهم قوى اقليمية.
تأجلت زيارة وزير الخارجية المصري التي كان مقررًا أن تكون مشتركة مع وزير الخارجية للمملكة الاردنية الهاشمية، ولكن "في التأخيرة خيرة" كما يقولون في المثل الشعبي حيث يحتاج الموقف الفلسطيني الى مساندة عربية تباعًا وتحديدًا من دول الجوار جمهورية مصر العربية والمملكة الاردنية الهاشمية نظرًا لارتباطهما بمعاهدات سلام مع (إسرائيل).
المملكة الأردنية الهاشمية التي نعتبرها توأم فلسطين جدد ملكها الشجاع الملك عبد الله الثاني موقف قيادتها وشعبها بعد لقائه وزير الخارجية المصري حيث جاء في بيان للديوان الملكي الاردني: "إن أي إجراء إسرائيلي أحادي الجانب لضم أراض في الضفة الغربية، أمر مرفوض، ومن شأنه تقويض فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة". وجدد تأكيد موقف الأردن الثابت حول: "تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين، الضامن لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ذات السيادة القابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
جمهورية مصر العربية العمود الفقري للأمة العربية والوطن العربي جددت تأكيد موقف قيادتها وموقف مئة مليون عربي مصري، إذ قال الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئيس أبو مازن: "إن مصر ترفض أيّة حلول أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي، لأنها ستؤدي إلى تأجيج الصراع وانعدام الاستقرار في المنطقة.. ونحن مع القضية الفلسطينية حتى تحقيق الاستقلال للشعب الفلسطيني في دولته وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 وفق قرارات الشرعية الدولية.. وأوفدت وزير الخارجية سامح شكري ليؤكد لكم الموقف المصري الثابت تجاه فلسطين، والاستماع لمواقفكم الحكيمة، وتقديم الدعم الكامل للموقف الفلسطيني".
الموقف الفلسطيني المكون من الحكمة والصلابة والتقدير الصحيح للحقائق التاريخية لم يكن عنصر حياة واستمرارية لحيوية القضية الفلسطينية وحافظًا لمكانتها في مراكز الدوائر الثلاث: الوطنية، العربية، الدولية وحسب، بل كان قاعدة صلبة ارتكزت عليها وارتفعت وارتقت مواقف قوى محلية وعربية ودولية يمكن اعتبارها على أنها تحرر من نوع ما من مواقف سابقة ومسبقة لدول وحكومات ضغطت على الشعب الفلسطيني وحاصرت قيادته ومثال على ذلك ما تفعله ادارة ترامب، مواقف سلبية شكلت من خلطة موادها سوء تقدير لحكمة وواقعية القيادة الفلسطينية وعقلانيتها، ودوافعها للاستجابة لنداء الشرعية الدولية والتزامها بالقانون الدولي،واحترامها لمساعي المجتمع الدولي في رؤية سلام واستقرار في المنطقة، وضعف شديد في التمييز بين التكتيك والإستراتيجية الناظمة لمنهج عمل قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وإساءة الظن المقصودة بإرادة الشعب الفلسطيني وبقدرته على الصمود وتجسيد طموحاته الوطنية، لكن اصطدام هذه الحكومات والدول بثبات الرئيس أبو مازن وصموده باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للكل الفلسطيني أرغم وسيرغم الذين فكروا بتجاوز الشرعية الفلسطينية على التوقف عند حدود أقصر بكثير مما رسموها، ولعلنا نقرأ في قول ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دليلاً على قدرتنا على كبح جماحهم على الأقل إن لم يكن على إجبارهم على التراجع، فهو قد قال: "ندعو الإسرائيليين إلى عدم القيام بأيّ شيء من شأنه إعاقة تنفيذ الرؤية التي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية". وأضاف: "رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يقيّم الآثار المترتّبة على هذه الخطوة".. ما يعني حسب تصريحات وزير الخارجية الأميركي (بومبيو) وسفير ترامب لدى نتنياهو (فريدمان) أن الضم لم يعد شأنًا إسرائيليًا خالصًا، ويعني أيضًا أن إدارة ترامب لم ولن تفلح في فرض رؤيتها لدولة فلسطينية حسب نصوص صفقة القرن (خطة ترامب)، لذا نعتقد أن الموقف الفلسطيني ومساندة المملكة الاردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية وتطابق موقفيهما مع الموقف الفلسطيني قد دفعهم للتوقف والبدء بإعادة التفكير والبحث عن مخارج، ستكون جميعها مسدودة إلا طريق الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي تتمسك القيادة الفلسطينية بمفاتيحه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها