مع أن اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوطين أهالي غزة في أي من الدول التي تقبل بهم على أراضيها بعد رفض الأردن ومصر موضوع التهجير، عكس شخصية ترامب الجدلية، وأن هذا التصريح يراه المواطن على أنه لا يعدو تصريحًا يتماشى مع المطالب الإسرائيلية، إلا أنه لاقى برودًا شديدًا من المواطن الغزاوي الذي اعتبر أنه أقرب إلى فقاعات سياسية لإرضاء اليمين الإسرائيلي والحفاظ على حكومة نتنياهو من الانهيار. وبغض النظر عمن يخاطب تصريح ترامب، لدى الفلسطينيين إلمام بالمشاريع الامركية التي يرغبون في إقامتها في غزة من قناة غرينلاند، والفنادق على الشاطئ المتوسط، إلى مشاريع الغاز وغيرها، إلا أن صاحب الشأن والهوية لم يتقبل هذا الاقتراح. وكان الأفضل بالأميركي أن ينأى بنفسه عن تلك التصريحات، ليبقى نفوذه ووساطته بعيدًا عن شأن الاحتلال وهذا الصراع.

حال لسان الناس يقول أن تصريح الرئيس الأميركي لأهالي غزة بالرحيل، أن هذا المشروع القديم المتجدد، قد تناولته المؤسسة الإسرائيلية ضمن مخططاتها منذ نشأة دولة إسرائيل سنة 1948، وهو ليس بالجديد حيث تم الحديث فيه ولم يتمكن الإسرائيليون في كل مرة من تطبيق هذا الحلم الصهيوني، الذي يسعون من خلاله كي الوعي الفلسطيني، وإعادة رسم التاريخ من جديد للقضية الفلسطينية. فالصراع القائم ليس على الأرض الفلسطينية فقط، بل على كل ما خطته الذاكرة الفلسطينية التي تعبر عن الحضارة والتاريخ في الرواية الفلسطينية. هي الحرب على الموروث الثقافي والحضاري لشعبنا، لذا فالحرب التي توقفت منذ أسبوعين واحتمالية أن تندلع من جديد، هي حرب قائمة بكل تفاصيلها على كل ما يتعلق بالأرض والهوية، ولن تنتهي إلا وقد أدرك الاحتلال أنه قد تمكن من الذاكرة الفلسطينية، وسيلاحقها أينما حلت وذهبت حتى تنفيذ المخطط الصهيوني في كي الوعي الفلسطيني.

المواطن الفلسطيني يتحدث بأريحية تامة على أن هذا المشروع قد تم طي صفحته، طالما تم الحديث والمحاولة عن تهجير الفلسطينيين. ويبرهن ذلك على كل المحاولات التي سعى لها الاحتلال منذ النكبة الأولى عام 1948، وعام 1956، وفي عام 1967، لكن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل. وتحدث أيضًا عن ذلك كلٌّ من الرئيسين الشهيد أبو عمار، والرئيس أبو مازن، ورؤساء مصر، حيث عرضت الفكرة عليهم لاستيعاب الفلسطينيين في سيناء ولكنها فشلت، وتحدث بها مؤخرًا ومن على منبر الأمم المتحدة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وأكد رفض الأردن لموضوع التهجير والوطن البديل. نحن نرى أن كل تلك المحاولات هي محاولات جادة وتسعى لتنفيذ المشروع الصهيوني في التهجير، ولكن عزيمة الناس في البقاء على أرضها هو ما يمنع تنفيذ هذا المخطط.

يقول أحد الغزيين العائدين من الجنوب إلى الشمال على طول المسير لم تتوقف عيني عن ذرف الدموع فرحة بعودتي إلى بيتي الذي أعلم تمامًا أنه قد تهدم ولكني سأقف على أطلاله وأعمل على إعادة بنائه. العائدون إلى شمال غزة بسيل عرمرم من أفواج القادمين إلى منازلهم مشيًا على الأقدام ورغم الجوع والعطش والبرد والألم بالفقد والمرض كيف لهم أن يهجروا أرضهم ووطنهم، وهم لم يفعلوا ذلك عندما كانت أطنان القذائف تقع على رؤوسهم وتقتل وتضيب منهم، ولم يخرجوا من ديارهم، ولسان حالهم يقول باقون ما بقي الزعتر والزيتون. هنا نسجل أن ردود الفعل الدولية أخذت بالتصاعد التي تقف إلى عدالة القضية الفلسطينية وبعيدًا عن التداخلات في الشأن الفلسطيني، كل هذا ولم تعر تلك التصريحات أهمية لدى المواطن الفلسطيني، ولا المغريات بأماكن وحياة أفضل، فهل وصلت الرسالة؟.