مبدأ أساس في قراءة أية تطورات في الطبيعة والمجتمع، يذهب البعض لاعتباره قانونًا كونيًا في قراءة حساب المعادلات والتحولات، لانه يؤخذ كوحدة قياس، وفقًا لمعادل كل حدث وتطوره بغض النظر عن طبيعته، وهذا المبدأ الفلسفي، الذي أعود إليه دومًا في محاكاة التطورات الراهنة والسابقة واللاحقة، هو مبدأ " التراكم الكمي يؤدي إلى تحول نوعي" في كل المعادلات. لأن القفزات الكيفية لا تتم مرة واحدة بما في ذلك الزلازل والظواهر البشرية والطبيعية بمشتقاتها المختلفة.
وإذا توقفنا أمام ما تشهده المؤسسة التشريعية الأميركية من تطورات جزئية تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأثر ذلك على العلاقات الثنائية الإسرائيلية الأميركية بالاتجاهين السلبي أو الإيجابي، فإننا نلاحظ على المستوى السلبي جملة من الخطوات المتلاحقة، والتي تشكل الأرضية لخطوات أكثر جذرية، أو اعتبارها بمثابة مخاض لولادة آليات جديدة تحكم العلاقات الثنائية بين البلدين. لا سيما وأن الولايات المتحدة تنطلق في كل فعل تجاه الآخر، أي آخر بما في ذلك دولة الاستعمار الإسرائيلية، التي تماهت معها إدارة ترامب الإفنجليكانية، من حساب المصالح الحيوية الأميركية. وعليه لا ترقى دولة مهما كانت أولوياتها الاستراتيجية في الحسابات الأمنية والاقتصادية والسياسية الأميركية للحد الذي يلغي أو يسقط تلك المصالح، عندئذ تتدخل الدولة العميقة وتشطب وتزيل أي خلل بنيوي في المعادل الناظم لتلك المصالح بأدوات مختلفة.
وإذا توقفنا أمام ما جرى منذ مطلع الشهر الحالي (تموز/ يوليو) وراقبنا ما حدث في ثلثه الأول، فإننا نلتقط ثلاثة أحداث ذات دلالة رمزية، منها:
أولاً : نشر السيناتور بيرني ساندرز، وعضو الكونغرس، أليكسندرا أوكاسيو كورتيز، رسالة مشتركة وقعها ايضا 12 عضو كونغرس ديمقراطي يوم الثلاثاء الموافق 30 حزيران/ يونيو الماضي، تدعو إلى تخفيض المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل في حال أعلنت ضم المستوطنات من جانب واحد. ووفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أوضح مرشح الرئاسة وأوكاسيو كورتيز، أن الضم سيحول النظام الإسرائيلي إلى نظام فصل عنصري، وإن الولايات المتحدة لا يمكنها مواصلة دعمه.
كما أكد المشرعون أن "هذه الخطوة تتعارض تمامًا مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي من المفترض ان تمثلها الولايات المتحدة." والنتيجة التي خلصوا إليها، انه لا يجوز "مواصلة المساعدة العسكرية الأميركية، لضمان عدم مساعدة أموال الضرائب الأميركية للضم." مع الإدراك المسبق، أن تمرير هكذا تشريع في المجلسين ضعيفة. بيّد أن قيمتها تأتي من قيمة ومكانة الشخصيات، التي تبنتها، وطرحتها، والذين يحظون بدعم الملايين من الأميركيين. ولذلك سارع "الإيباك" إلى الرد على الرسالة بسرعة، وإدانتها، مدعيًا أن محتواها يضر بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية (...) وأن الرسالة تتناقض مع سياسة بايدن وأوباما، بشأن المساعدة العسكرية لإسرائيل.
ثانيًا: أصدر مجلس الشيوخ الأميركي فجر الجمعة الموافق 3 تموز / يوليو الحالي، تعديلاً على قانون الدفاع، لمنع إسرائيل من استخدام المساعدة العسكرية لضم أراض فلسطينية. ومن جهته قال السيناتور فان هولن: ضم إسرائيل لإراض فلسطينية سيقوض التفاهمات القائمة بين أميركا وإسرائيل والفلسطينيين. واضاف لأن الضم سيقوض أمن إسرائيل في النهاية. وفق ما ذكرته فضائية "الجزيرة" القطرية.
ثالثًا: ويوم الخميس الموافق 9 تموز / يوليو الحالي (2020) قدمت النائب عن الحزب الديمقراطي، في الكونغرس عن ولاية "مينوسوتا"، بيتي مالكوم، مشروع قانون "عدم الاعتراف بالضم الإسرائيلي"، لحظر اعتراف أميركا بإدعاء الحكومة الإسرائيلية السيادة على الضفة الفلسطينية المحتلة. وينص مشروع القانون على أن "الضم الإسرائيلي أحادي الجانب، يشكل انتهاكًا للقانون الدولي من ميثاق الأمم المتحدة، وعملاً عدوانيًا محظورًا بموجب المادة (47) من معاهدة جنيف الرابعة، التي إسرائيل طرف فيها. وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"
وكان الأسبوع الأخير من حزيران / يونيو الماضي وقع حوالي 200 من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين على رسالة وجهوها للحكومة الإسرائيلية عبروا فيها عن رفضهم للضم لأي جزء من الضفة الفلسطينية.
جملة هذه الخطوات إذا قرأناها جيدًا، نلحظ موضوعيًا أن المشرع الأميركي يتحرر تدريجيًا من كابوس "الإيباك" وتغول الأفنجليكان وإضرابهم، ولم يعد قطاع واسع منهم يخشى البلطجة الصهيونية، وأمسى يحاكي مصالح أميركا الحيوية ووفق المبادئ والقوانين الأممية والسبب وراء هذه التحولات الكمية جرائم وانتهاكات إسرائيل، وتدخلها الفض والوقح في السياسة الأميركية، وتنكرها لما قدمه الحزب الديمقراطي لها تاريخيا، وليس صحوة ضمير فقط، إنما هناك حسابات حررت المشرع من اللعنة الصهيو أفنجليكانية. وكل هذه الخطوات تخدم بالضرورة الموقف السياسي الفلسطيني، المتمسك بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ويفرض على الكل الفلسطيني مواكبة التطورات الجارية في الداخل الأميركي، لأن له علاقة مباشرة بما يجري على ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالضرورة يدعم الرؤية الوطنية، ويتعاكس مع خرافات نتنياهو ترامب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها