لم تشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية استقطابًا داخليًا وخارجيًا، كما هي عليه الآن لانتخاب الرئيس الـ 46، وفق ما تشير له المصادر الأميركية العليمة. ومن بين الاستقطابات الخارجية تحتل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية الاستعمارية مكانة خاصة على هذا الصعيد. واعتقد جازمًا، إنها المرة الأولى التي تخلع فيها إسرائيل برقع الحياء، وتكشف عن فجور سياسي وديبلوماسي غير مسبوق مع انحيازها، ودعمها لاحد المرشحين على حساب الآخر. متخلية عن منهجيتها المتوازنة الثابتة منذ تأسيسها قبل سبعين عامًا في العلاقة مع الحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي، وتنقلب على نواظم سياساتها الدقيقة معهما.

رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو وأضرابه في الليكود، وائتلافه الحاكم، وكل اليمين الصهيوني والحريديمي المتطرف نظموا دون خجل، أو حياء حملة مؤيدة ومساندة للمرشح الجمهوري في أوساط المجتمع الإسرائيلي، ووزعوا اليافطات في الشوارع والميادين تأييدًا وتضامنًا مع ساكن البيت الأبيض. ودعوا أنصارهم في الولايات المتحدة، وحملة الجنسية الأميركية الإسرائيليين لانتخاب رجل العقارات على حساب المرشح الديمقراطي. وكما ذكرت هي سابقة خطيرة ستترك آثارًا سلبية على مستقبل العلاقات بين الحزب الديمقراطي وممثليه مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، مع استدراك دون المبالغة في تلك التأثيرات، لا سيما وأن الدولة الإسرائيلية تعتبر وفق المعايير السياسية والأمنية والاقتصادية الأميركية جزءًا من المصالح الحيوية الاستراتيجية للولايات المتحدة.

ورغم دقة وصحة ما أشير إليه آنفًا، إلا أن ما شهدته الحملة الانتخابية الرئاسية الجارية الآن في الولايات المتحدة في الداخل الإسرائيلي، وارتداداته على صيرورة العلاقات بين المنظومة الحاكمة في إسرائيل وقوة مركزية في بلاد العم سام لها ما لها، وعليها ما عليها من أبعاد. وبالتالي علينا أن نقرأ هذه القفزة النوعية في سيرورة العلاقات الأميركية الإسرائيلية بمنهجية علمية، لمحاولة استشراف أبعادها ودلالاتها الفكرية والسياسية، واعتقد أنها أولاً تشير إلى تماهي العلاقة الأيديولوجية والعقائدية الدينية بين اليمين الجمهوري الأميركي، وبين أقصى اليمين الصهيوني والحريديم المتطرف؛ ثانيًا بالمقابل حملت في طياتها، تراجع العلاقة بين القوى الصهيونية المذكورة والحزب الديمقراطي. لا سيما وأن قطاعًا واسعًا من الحزب الديمقراطي وخاصة في أوساط الشباب أتباع الديانة اليهودية، لم يعد مؤيدًا لمنطق وسياسات اليمين الصهيوني؛ ثالثًا هذا التطور بات يشكل لحظة فاصلة في العلاقات البينية بين الحزب الديمقراطي ونظرائه الإسرائيليين المحسوبين مجازًا على ما يسمى "اليسار" وبين اليمين الأميركي والصهيوني المتطرف، وبالتالي ستنعكس التطورات الجارية على مركبات العلاقة بين الحزبين الأميركيين وأقرانهم الإسرائيليين؛ رابعًا لا يعني ذلك، أن العلاقات بين الديمقراطيين واليمين الصهيوني المتطرف ستنقطع، ولكنها ستضعف، وتتراجع. لإن إسرائيل كمكون دولاني لا تعدو أكثر من أداة وظيفية لخدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية، بتعبير آخر سيعمل الحزب الديمقراطي على دعم حلفائه، أو من يؤيدون سياساته في إسرائيل، ويحاصر خصومه؛ خامسًا رغم ما تقدم، فإن إمكانية فكفكة هذا الاستقطاب والاستحواذ مع غياب كل من ترامب ونتنياهو، اللذين لعبا دورًا أساسيًا في بلوغ هذا التنافر، هي إمكانية واردة ومنطقية . لكن ذلك، لن يلغيه كليًا. والسبب يعود للتحول المتدحرج النسبي داخل صفوف الحزب لجهة رفض منطق السياسات، التي ينتهجها اليمين الصهيوني المتطرف ككل، وليس نتنياهو فقط، التي يعتبرها الديمقراطيون تهديدًا للأمن القومي الأميركي والإسرائيلي على حد سواء؛ سادسًا هذا التنافر والتباعد بين الديمقراطيين واليمين الصهيوني سينعكس إيجابًا على الشارع الأميركي عمومًا من زاوية تحرره النسبي تجاه المسألة الصهيونية، وعقدة ما يسمى "اللا سامية"، والداعم لذلك هو اليهود الأميركيون عموما، وفئة الشباب خصوصا، الذين هم أقل إرتباطا بالفكرة الصهيونية، فضلا عن خروجهم من لوثة التساوق مع السياسات الإسرائيلية الأقصوية الرافضة للسلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، التي لعب أمثال السيناتور الأميركي اليهودي ساندرز دورا مهما في تكريسها.... إلخ

إسرائيل ستكون الخاسر الأول في حال فاز المرشح الديمقراطي، جو بايدن. الرجل الذي وقف إلى جانب الرئيس السابق، باراك أوباما في سياساته تجاه مسألتي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والملف النووي الإيراني. وكان شاهدًا على وقاحة نتنياهو وأضرابه في التطاول على الرئيس الـ 44 والإدارة الديمقراطية، التي تحمل فيها مسؤولية نائب الرئيس. بيد أنها ستكون الرابح الأكبر في حال  حافظ ترامب على موقعه في رئاسة الولايات المتحدة. وقادم الأيام  يحمل الخبر الأكيد بما ستؤول إليه الأمور.