ما إن يجد رئيس المكتب السياسي لِحركة حماس، إسماعيل هنية، نفسه في لقاء متلفز، حتى يغيب كعادته عن الوعي الوطني، ليظل حاضرًا بوعيه وخطابه الحمساوي، وبالعبارات والكلمات المكررة ذاتها، وحيث التلفيق والادعاء ذاته، إلى جانب الاستعراض الشعبوي، والثورجي، بحروفه السمينة التي ما زالت لاتزعم الانتصارات فحسب، وإنما واقعًا لِحركته، سيجبر الاحتلال الإسرائيلي على الامتثال لإرادتها، إضافة إلى اللازمة الأساسية طبعًا في التشكيك بالسلطة الوطنية، والهجوم على حركة فتح، واتهامها بالتجاوب الضعيف!! مع مبادارت إنهاء الانقسام وأنها عديمة الحكمة والتعقل بهذا الجانب!!

والواقع لو كان ثمة تهمة أخرى لفتح غير هذه لكان بالإمكان نقاشها، فعنوان التعقل والحكمة، وإلى حد العض على الجراح ونكران الذات، في حوارات المصالحة الوطنية، لم يكن غير عنوان فتحاوي، ولم يكن غير أسلوبها الذي غالبًا ما تعرض إلى لوم حتى من قواعدها. 

نتحدث عن لقاء إسماعيل هنية مع تلفزيون "عزمي بشارة" الذي إسمه التلفزيون العربي!! مساء الجمعة الماضية والذي لم يكن هنية فيه سواه، المدعي والاستعراضي بلا حدود، وبتلفيق ممجوج، وهو يتهم السلطة الوطنية بأنها ذهبت إلى تسييس أزمة "الكورونا" مع قطاع غزة، وأنها ما زالت تتحرك في هذا السياق وفق حسابات سياسية!! ومثلما يقول المثل الشعبي من "كان على رأسه بطحة فإنه يحسس عليها" لأن من سيس الأزمة هو حركة حماس، حين أعلنت أن حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس أبو مازن لا تشملها، معتبرة حالة الطوارئ موقفًا سياسيًا من السلطة الوطنية ضدها، ولم ترَ فيها حاجة وطنية ملحة لمواجهة جائحة "الكورونا" ولا علاقة لها بأيّة غاية سياسية، ومع هذا الاتهام الدعائي والاستعراضي الفج، ينكر هنية على الحكومة الفلسطينية ما تفعل تجاه المحافظات الجنوبية في قطاع غزة المكلوم، وهي تقاسمها مع المحافظات الشمالية في الضفة، الإمدادات والمستلزمات والمساعدات الطبية والمالية، في إطار خطتها الشاملة لمواجهة جائحة "الكورونا" في كل محافظات الوطن، متجاوزة عدم اعتراف حماس بحالة الطوارئ الوطنية. لطالما قلنا إن خطاب حماس بحاجة دوما إلى تحليل سايكولوجي، بِحكم أنه وليد ذهنية أقل مايقال عنها إنها غير واقعية، ومريضة بالتلفيق والادعاء، وبالعنف في واقع السلطة التي تثمثلها في غزة !! وفي هذا التحليل ومثلما يقول المثل العربي البليغ "كاد المريب أن يقول خذوني" وهذا هو حال هنية عندما تطرق إلى موضوع التنسيقات التي تواصلها حماس لمواجهة "الكورونا" والتي منها بل، والتي في مقدمتها، مع إسرائيل، ليعلن أنه لا تنسيق مباشر بهذا الشأن !!! على اعتبار التنسيق غير المباشر، وهو الذي يؤكده هنية هنا، ليس دون أثمان سياسية!!

والواقع أن إرسال أطباء من قطاع غزة إلى المشافي الإسرائيلية، ليتدربوا فيها على سبل مكافحة "الكورونا" لم يكن تنسيقا مباشرا فحسب، وإنما كان سعيًا لتطبيع مهني مع الاحتلال، وهو كما نعتقد، ما دفع بزعيم حماس في غزة يحيى السنوار، أن يعلن بعد أيام من إرسال هؤلاء الأطباء، عن استعداد حركته لعقد صفقة تبادل أسرى، والتي تبرع هنية في مقابلته التلفزيونية، بالكشف عن عدد جنود الاحتلال الذين في حوزة حماس بأنهم أربعة جنود، وهذه معلومة لا ينبغي الكشف عنها، قبل بدء مفاوضات التبادل على نحو جدي وواقعي!!

يبقى أن نشير إلى أن تلفزيون عزمي بشارة لربما لم يكن مهتما بكل هذا الذي قاله هنية بالشأن الفلسطيني، و"الكورونا، والعلاقة مع إسرائيل، ولعله أراد أمرًا واحدًا من هذا اللقاء، وهو الطعن في موقف العربية السعودية، تجاه القضية الفلسطينية، باعتبار أن لحماس معتقلين في سجون المملكة، وهذا ما كان لهذا التلفزيون، حين قال هنية إن موقف العربية السعودية هذا، مخالف لكل الأعراف العربية تجاه القضية الفلسطينية!! وقد قال هنية هذا وللموضوعية وهو يناور للتملص من خلاصة هذا الموقف لاقامة ما وصفه بالعلاقة الايجابية مع المملكة العربية السعودية!!  ولكن وكما يقال لقد سبق السيف العذل، والعلاقات الإيجابية لا تكون مع الإرهاب ولا بأي حال من الأحوال.